{انْكَدَرَتْ} أنهارت، وتَناثرت {وإذا الجِبَالُ سُيِّرَتْ} أي: سُيرت من أَماكنها، فاستوت بالأرض {وإِذَا العِشَارُ عُطِلِّتْ} أي: أهملت؛ وذلك أن العُشراء من النُّوق التي قد أَتى عليها من حملها عشرةَ أشهرٍ النَّاقة أحبُّ إلى أَحدكم من مفروح من الدُّنيا.
فلذلك قَالَ اللَّه تَعَالى: {وَإِذَاْ العِشَارُ عُطِّلَتْ}.
وروى عنْ ابْنِ كَثِيْرٍ: «عُطِلَتْ» مخففًا.
قَالَ ابنُ مُجاهدٍ وهو خطٌأ.
فإن سأل سائل فقال: لم اتفق القراء عَلَى تَخفيف «حُشرت» واختلفوا فيما عدا ذَلِكَ فشدَّدُوا وخفَّفُوا نحو «نُشِرَتْ» و «نُشِّرَتْ» و «سُجِرَت» و «سُجِّرَتْ» و «سُعِرَتْ» و «سُعِّرَتْ»؟ .
فالجواب فِيْ ذَلِكَ: أن البحر يُسجَر مرةً بعد مرةٍ، والوحوش حشرها فَناؤها، ولا يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي ابنُ مجاهدٍ عنْ السِّمَّرِيِّ، عنْ الفَرَّاء، عنْ أَبِي الأخوص سلام بْن سليم، عنْ سَعِيد بْن مسروق، عنْ عكرمة {وإِذَاْ الوُحُوْشُ حُشِرَتْ} قَالَ: حشرُها: موتُها.
وقال آخرون: بل تُحشر كما يُحشر سائرُ الخَلائق فيقتص الجَمَّاء من القَرْناء ثُمَّ يُقال: كُوني ترابا فعند ذلك يتمنى الكافر فيقول: {يا ليتني كُنْتُ تُرَابًا}.
وقولُه تَعَالى: {وإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ}.
خفَّفها ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْرو.
وشدَّدها الباقون. فشاهد من خفف «والبحر المَسْجُوْرِ» ولم يَقل المُسَجَّر، ومعنى المَسجور: المَمْلُوءُ، ويُنْشَدُ:
إِذَا شَاءَ طالَعَ مَسْجُوْرَةً ... يَرَى حَوْلَها النَّبْعُ والسَّأْسَمَا
يعني: شجر الآبنوس.
وقال الفَرَّاءُ: {وإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ} أَفضى بعضها إلى بعضِ فصارت بحرًا واحدًا.
وقولُه تَعَالى: {وإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}.
قَرَأَ ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْرو وحمزة والكِسَائِيّ مشدَّدًا، لأنَّ الصُّحُفَ جماعةٌ وهي تنشر مرةً بعدَ أخرى، وشاهد التَّشديد قولُه تَعَالى: {أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرة} ولم يقل منشورة.