للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر والكِسَائِيُّ: «قََوَارِيْرًا» منونًا بالألفِ اتباعًا للمُصحف؛ لأن الأولى رأس آيةٍ، وكرهوا أن يُخالفوا بين لَفظين معناهما سيّان، كما قَرَأَ الكِسَائِيّ: «أَلَا إنّ ثَمَوْدًا ......... ألا بُعدًا لِثَمُودٍ» فصرف الثَّاني لقربه من الأول، والأول صرف بألفٍ.

وفيه قراءةٌ ثانيةٌ: روى حَفصٌ، عنْ عاصمٍ: «قَوَارِيْرًا قواريرا» يثبت الألف فِيْ الوقف، ولا ينون، كأنه ذهب إلى ما أنبأتك فِيْ وقف بعض العرب عَلَى ما لا ينصرف بألفٍ. وإذا أدرج أسقط‍ الَألف.

وأمَّا ابنُ عامرٍ فإنه يقف بروايةِ هشامٍ: «قَواريرًا» بالألف، وبرواية ابْنُ ذكوان بغيرِ ألفٍ.

وقراءة ثالثة: قَرَأَ حمزةُ وابنُ عامرٍ: «قواريرَ قواريرَ» بغيرِ ألفٍ، وهو محضُ العَرَبِيَّةِ، لأنَّ فواعيل لا ينصرف في معرفةٍ ولا نكرةٍ.

وكان حمزة يقف بغير ألف. ومعنى «قواريرا مِنْ فِضَّةٍ» أي: هِيَ فِيْ صفَاءِ الفِضَّةِ وجوهره ويؤدى ما وراءها كما تُؤدى قَوارير. ومثله «مِزَاجُهَا كَافُوْرًا» و {زَنْجَبِيْلًا} أي: هَذَا الشَّرابُ فِيْ بُرد الكافورِ وذكاءِ المِسْك ولذعِ الزَّنجبيلِ.

وفيه قراءةٌ رابعةٌ: قَرَأَ ابنُ كثيرٍ: «قَوَارِيرًا قَوَارِيرَ» ينون الأول والثّاني بغير ألفً، وهو الاختيار؛ لأنَّ الأولى رأس آيةٍ، وليست الثانية كذلك.

وفيهُ قراءةٌ خامسةٌ: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: «قَوَارِيرَا» بألف غيرَ منِّونٍ إِذَا وقفَ يقف وقفًا خفيفًا، إذْ كانَ رأسُ آيةٍ، والثاني: بغيرِ ألفٍ؛ لأنَّه لا ينَصرفُ، وليس رأسَ آيةٍ، فاللَّفظ‍ على ما سَمِعْتُ ابْنُ مُجاهدٍ يقرأ: «قَوَارِيرَا قواريرَ مِن فِضَّةٍ قدَّرُوهَا تَقْدِيرا» ومعنى قدَّرُوها أي: قدروا شرابهم عَلَى مقادير ربهم لا يزيد ولا ينقص، وذلك أَلذَّ الشَّراب، قَالَ ابنُ جريِج ومجاهِدٌ: لا يترعُ فيهراق ولا ينقص فيغيض.

وقال قَتادة: قدّر عَلَى ريِّ القوم، فنسب الفعل إلى الخدام إِذَا كانت جاريًا عَلَى أيديهم. ومعنى يترع: يملأ، يُقال ملأت الِإناء فأرهقته، وأترعته، وأفعمته، وأتأقته، وزبرته، وكرثته، ورعبته، وزعبته: كل ذلك إذا ملأته إلى أصبَاره، الأصبارُ: واحدها صبر، وهو النَّواحي من أعلاه.

<<  <   >  >>