قرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ بضمِّ التَّاء، الفعلُ لله تَعَالى، وذلك لأنَّ اللَّه تَعَالى قد عَجِبَ من فَتًى لا صبوةً لَهُ، و «عجب ربكم من ألِّكُمْ وَقُنُوْطِكُمْ»، وقال لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وإنْ تَعْجَبْ} يا مُحَمَّد {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} غير أنَّ العجبَ من اللَّه تَعَالى عَلَى خلافِ ما يكون من المخلوقين. فالعجبُ من المخلوقين: أن ينظر إلى شيءٍ لم يكن فِي حسابه، وفي علمه فَيَبْهَرُهُ ويُنكره. فَيَتَعَجَّبُ من ذَلِكَ، والله تَعَالى يَعلم الأشياء قبل كونها، فلا تَعُّجب عَلَى هذه الجِهة، ولكن القومَ لما هَربوا من رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنكروا البَعثَ والنُّشورَ، أنكرَ اللَّه تَعَالى عليهم فعلهم إذا أتوا بنُكرٍ، وأعجوبة لجُرأتهم وتمرُّدهم. وقرأ الباقون:«بَلْ عَجِبْتَ» بفتح التاء أي: عجبتَ يا مُحَمَّد من وحي اللَّه تَعَالى ويَسخرون هُمْ منك. قَالُوا: وإنما اخترنا هَذَا؛ لأنَّ اللَّه تَعَالى لا يَعجب، وإنما يعجب من لا يَعْلَمُ وقولُه تَعَالى:{وإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} أي: عَجَبٌ عندكم فأمّا عندنا فلا. والقراءتان جائِزَتان لما خبَّرتك، لأنَّ اللَّه تَعَالى قَالَ:{وَمَكَرُوا ومَكْرَ اللَّه} وقال: {نَسُوْا اللَّه فَنَسِيَهُمْ}{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}{فاتَّبِعُوْنِيْ يُحْبِبْكُمُ اللَّه} ونحوه فِي القرآن كثيرٌ. فالمَحَبَّةُ من اللَّه، والمكر والخديعة والاستهزاء: كلُّ ذَلِكَ عَلَى خلاف ما يكون من المَخلوقين، وهو أن يُجازيهم جزاءَ خِدَاعِهِم ومَكرهم، والمَحَبَّةُ من العَبدِ لزومُ الطَّاعَةِ والمَحبَّةُ من اللهِ إكرامه أهلَ طاعَتِهِ بالثُّواب الجزيل.