لأن الفعل المضارع لا بد له من نونٍ فِي تثنيته وجمعه إذَا استتر فِيهِ الاسم، كقولك:
الرَّجُلانِ يقومان، والرِّجال يقومون.
وقولُه تَعَالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كلِّ شَيْءٍ}.
قرا نافعٌ: «تُجْبى» بالتاء لتأنيث الثمرات.
وقرأ الباقون بالياء لثلاثِ عللٍ:
إحداهن: أَنَّهُ فعل مقدم فشبه بمقام النسوة.
والعلَّةُ الثانيةُ: أنك قد حجزت بين الاسم والفعل بحاجزٍ.
والعلةُ الثالثةُ: إن كان علمُ التَّأنيث فِي الثمرات التاءَ فإنّ تأنِيْثَها غيرُ حقيقي.
فإن قيلَ لك: قد قَالَ اللَّه تَعَالى: {يُجْبَى إِلَيْه ثَمَراتُ كلِّ شيءٍ} وقد رأينا بَعضًا من الثمرات لا يجبى إليه كقوله: الجَبَل، وخراسان.
ففي ذلك جوابان:
أحدهما: أن «كلَّ» بمعنى بعض، كما قَالَ: {يأتيها رِزْقُها رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} أي: من بعض الأمكنة.
وقال آخرون: إن الثمرات تصل إِلَيْه من كل مكان، ومن كلّ قطرٍ من أقطار الَأرض ما يشاء، إما يابسا، وإما رطبا، وإما مقدّدًا.
وقولُه تَعَالى: {لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ}.
قرأ عاصمٌ فِي روايةِ حفصٍ: «لَخَسَفَ بِنَا» كأنه أضمر الفاعل لَخَسَفَ اللهُ بِهِمْ.
وقرأ الباقون: «لَخُسِفَ» عَلَى ما لم يُسم فاعله وحجتهم ما حَدَّثَنِي أَحْمَد، عن عليّ، عن أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: فِي حرف عَبْد الله «لا خسف بِنَا» والخَسْفُ فِي اللُّغة: أن تَنقلب الأرضُ عَلَيْهِ، أو تَبْتَلعَهُ الأرضُ. ومن ذلك قوله تَعَالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وبدَارِهِ الأَرْضَ}.
هذه الهاء كناية عن قارون. وكان ابنُ عمِّ مُوسَى، وعالمًا بالتَّوراة فحسد مُوسَى وبَغَي عَلَيْهِ لكثرةِ ماله لأنَّه أوتي من الكُنوز ما إنَّ مفاتحه لتنوء بالعُصْبَةِ أي: لتثقل العُصبة، والعُصبة الأربعون. وكذلك بلغ من بَغْيِهِ أن امرأةً كانت فِي ذلك الزمان وكانت بغيًّا فاجرةً بذل لها مالًا ورغَّبها وقال لها: صيري إلى مُوسَى فِي يوم مجلسه، وقولي أن مُوسَى رَاودني عن نَفسي فبلغَ ذلك مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلام -، وأمر اللَّه الأرض أن تطيع