وقولُه تَعَالى: {إذْ تَلَقَّونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}.
فيه خمسُ قراءاتٍ:
قرأ أَبُو عَمْروٍ وحمزةُ والكِسَائِيُّ «إذْ تَّلَقَّونَهُ» بإدغام الذَّال فِيْ التاء لقربهِما وبسكون الذَّال.
وقرأ الباقون: ««إذْ تَلَقَّونه» بالإظهار؛ لأنَّ الذالَ ليست أختًا للتاء. وهما من كلمتين.
وقرأ ابنُ كثيرٍ: «إذْ تَّلَقَّونَهُ» بتشديد التّاء. أراد: تتلقونه فأدغم وليس بجيِّدٍ، لأنَّه جمع بين ساكنين.
وقرأ ابنُ مسعودٍ وأُبِّيُّ: «تَتَلقَّونَهُ» بتاءين عَلَى الأصلِ، تاء أبي عَمْروٍ أيضًا.
والقراءةُ الخامسةُ قراءةُ عَائِشَة: «إذْ تَلِقُونَهُ» مُخَفَّفٌ من الولق في السير، وفي تكذب، وهو السُّرعة، والأصل: تولقونه، فوقعت الواو بين تاءٍ وكسرةٍ فخزلت.
قَالَ الشَّاعِر:
إنّ الجُلَيدَ زَلِقٌ وزُمَّلِقْ ... جاءَت بِهِ عَنْسٌ من الشَّامِ تلق
مجوع البطن كلابي الخلق
ومَن شدَّد، فَقَالَ: تَلَقَّوْنَهُ فمعناه: تقبلونه وتأخذونَه كَمَا قَالَ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتِ} أي: قَبِلَها وأخذها. وكان الأصل فِيْ ذَلِكَ أنَّ النَّاس لما أفاضوا فِيْ الإِفك، وحديث عَائِشَة كان الرَّجُلُ يلقى الآخر فيقولُ: أما بَلَغَك حديث عَائِشَة؟ لتشيع الفاحشة فِيْ الَّذِيْنَ آمنوا، فأنزلَ الله تَعَالى فِيْ بَراءَتِهَا، وأرغم أنوف المنافقين.
فقال: {أولئك مبرؤن مِمَّا يَقُولُونَ»، يعني عَائِشَة وصَفوان بْن المُعَطِّلِ.
وفيها قراءةٌ سادسةٌ وسابعةٌ، وثامنةٌ وتاسعةٌ عدَّدْتُها فِيْ البَدِيْعِ.
وقولُه تَعَالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ}.
قرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ بالياء، لأنَّ الفعلَ متقدمٌ فيشبّهُ بقولهم: قامَ الرِّجالُ، ولأنَّ اللسانَ مذكرٌ.
وقرأ الباقون: «تَشهد» بالتاء لتأنيثِ الألسنة، والعرب تذكر اللسن، والذّراع، وتؤنثهما، فمَن ذكره، فَقَالَ: أَلْسُنٌ وأذرعٌ، ومَنْ أنَّث، قَالَ: ألسنةً، وأذرعةٌ.
وحدَّثني ابن مجاهد، عن السمري، عن الفراء، قال: هَذِهِ لسان ذهب بها إلى