شُزْنِهِ وَعَلَى شُزُنِهِ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَاحِيَتِهِ وَجَنْبِهِ، وَأَقْطَارُ الْأَرْضِ وَأَقْتَارُهَا وَأَشْزَانُهَا:
نَوَاحِيهَا وَالْقُطُرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ، أَنْشَدَنِي ابْنُ عَرَفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
كَأَنَّ المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر
تُعَلُّ بِهِ بُرْدُ أَنْفَاسِهَا ... إِذَا غَرَّدَ الطَّائِرُ الْمُسْتَحِرْ
وَإِنَّمَا خَصَّ وَقْتَ السَّحَرِ، لِأَنَّ الْأَفْوَاهَ تَتَغَيَّرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَسَرَقَ شَاعِرٌ هَذَا فَقَالَ:
كَأَنَّ الْمُدَامَ وَصَوْبَ الْغَمَامِ ... وَرِيحَ الْخُزَامَى وَذَوْبَ الْعَسَلْ
تُعَلُّ بِهِ بُرْدُ أَنْيَابِهَا ... إِذَا النَّجْمُ فَوْقَ السَّمَاءِ اعْتَدَلْ
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}.
قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ «لِمَهْلَكَهُمْ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ جَعَلَهُ مَصْدَرًا لِهَلَكَ يَهْلَكُ مَهْلَكًا مِثْلَ طَلَعَ يَطْلَعُ مَطْلَعًا.
وَرَوَى حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «لِمَهْلِكِهِمْ» بِكَسْرِ اللَّامِ جَعَلَهُ وَقْتَ هَلَاكِهِمْ وَمَوْضِعَ هَلَاكِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أَيِ: الْمَوْضِعَ الَّذِي تَغْرُبُ فِيهِ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْعَرَبِ: «أَتَتِ النَّاقَةُ عَلَى مَضْرِبِهَا»، وَ «مَنْتِجِهَا» أَيْ: عَلَى وَقْتِ ضِرَابِهَا وَنِتَاجِهَا وَ «إِنَّ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ لَمَضْرَبًا» بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: ضَرْبًا، جَعَلَهُ مَصْدَرًا.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «لِمُهْلَكِهِمْ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْ أَفْعَلَ وَالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ يَجِيءُ عَلَى مُفْعَلٍ كَقَوْلِهِ: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} فَكَذَلِكَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ مُهْلَكًا بِمَعْنَى الْإِهْلَاكِ، وَسَأُبَيِّنُ لَكَ فَصْلًا تَعْرِفُ بِهِ جَمِيعَ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ.
اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ كَانَ عَلَى «فَعَلَ يَفْعِلُ» مِثْلَ ضَرَبَ يَضْرِبُ فَالْمَصْدَرُ مَضْرَبٌ بِالْفَتْحِ، وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ مَفْعِلٌ بِالْكَسْرِ.
وَكُلُّ فِعْلٍ كَانَ عَلَى «فَعَلَ يَفْعُلُ» مِثْلَ دَخَلَ يَدْخُلُ فَالْمَصْدَرُ وَالْمَكَانُ مِنْهُ بِالْفَتْحِ نَحْوَ الْمَدْخَلِ، وَكُلُّ فِعْلٍ كَانَ الْمُضَارِعُ مِنْهُ بِالْفَتْحِ نَحْوَ يَذْهَبُ وَيَشْرَبُ فَهُوَ مَفْتُوحٌ أَيْضًا نَحْوَ الْمَشْرَبِ وَالْمَذْهَبِ.
فَإِنْ قِيلَ لَكَ: قَدْ قَالُوا: الْمَسْجِدُ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ مِنْ سَجَدَ يَسْجُدُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الشَّوَاذِ عِنْدَهُمْ، قَالَ سِيبَوَيْهِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا جَاءَ الْمَصْدَرُ مِنْ فَعَلَ يَفْعِلُ بِالْكَسْرِ