- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا}.
قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ «سُعِدُوا» بِضَمِّ السِّينِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، جَعَلَاهُ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ كَقَوْلِكَ: نَزَحَتِ الْبِئْرُ وَنَزَحْتُهَا، وَجَبَرَ اللَّهُ فُلَانًا فَجَبَرَ هُوَ وَيُنْشِدُ قَوْلَ الْعَجَّاجِ:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرْ ... وَعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّى الْعَوَرْ
فَكَذَلِكَ: سُعِدَ زَيْدٌ، وَسُعِدَهُ اللَّهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ: رَجُلٌ مَسْعُودٌ مِنْ سُعِدَ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «سَعِدُوا» بِفَتْحِ السِّينِ، وَحُجَّتُهُمْ: أَمَّا {الَّذِينَ شَقُوا}، وَلَمْ يَقُلِ اشْقُوا، وَالِاخْتِيَارُ إِذَا رَدَدْتَ سَعِدَ إِلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَنْ تَقُولَ أَسْعَدَ فُلَانٌ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: سَعِدَ زَيْدٌ وَأَسْعَدَهُ اللَّهُ، كَمَا تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ وَأَقَامَهُ اللَّهُ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}.
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو الْكِسَائِيُّ «وَإِنَّ» مُشَدَّدًا «لَمَا» خَفِيفًا.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا» شَدَّدُوا «إِنَّ» وَ «لَمَّا» كِلَيْهِمَا.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ «وَإِنْ» خَفِيفًا وَ «لَمَا» خَفِيفًا إِلَّا عَاصِمًا فَإِنَّهُ شَدَّدَ «لَمَّا» فَمَنْ خَفَّفَ، «إِنَّ» جَعَلَهُ مُخَفَّفًا مِنْ مُشَدَّدٍ فَلِذَلِكَ نَصَبَ «كُلًّا» بِهِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ، إِنْ زَيْدًا قَائِمٌ، يُرِيدُونَ: إِنَّ زَيْدًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَصَدْرٍ مُشْرِقِ اللَّوْنِ ... كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ
أَرَادَ: كَأَنَّ «فَخَفَّفَ، هَذَا مَذَهْبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَالْكُوفِيُّونَ إِذَا خَفَّفُوا «إِنَّ» لَمْ يُعْمِلُوا فَعْلَى هَذَا نَصَبَ «كُلًّا» بِ «لَيُوَفِّيَنَّهُمْ» وَقَالَ آخَرُ:
فَلَوْ أَنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سألتني ... فراقك لم أبخل وأنت صديق
أراد: أَنَّكَ فَخَفَّفَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا نَصَبْتَهُ بِ «أَنَّ» تَشْبِيهًا بِالْفِعْلِ فَإِذَا خَفَّفْتَ زَالَ شَبَهُ الْفِعْلِ فَلِمَ نَصَبْتَ بِهَا؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا يُحْذَفُ مِنْهُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ التَّامِّ كَقَوْلِكَ: خُذِ الْمَالَ، وَقُلِ الْحَقَّ، وَمُرْ زَيْدًا، وَسَلْ عَمْرًا وَعِ كَلَامِي، وَشِ ثَوْبَكَ، وَقِ زَيْدًا فَكَذَلِكَ «إِنْ» جَازَ حَذْفُهَا وَإِعْمَالُهَا.