للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكتابِ، فكانَ يحدِّثُ منهُمَا بما فَهِمهُ من هذا الحديثِ من الإذْنِ في ذلكَ.

ولكنَّ هذه الأحاديثَ الإسرائيليَّة تُذْكَرُ للاستشهادِ تُذْكَرُ للاستشهادِ لا للاعتِضَادِ؛ فإنَّها على ثَلاثَةَ أقسامٍ:

أَحدُهَا: ما عَلِمْنَا صحَّتَه مما بأيدينا ممَّا يشهدُ له بالصِّدْقِ، فذاك صحيحٌ.

والثَّانِي: ما علمنا كَذِبَهُ مما عندنا مما يُخالفُهُ.

والثَّالثُ: ما هو مسكوتٌ عنه، لا من هَذا القبيلِ (ولا مِنْ هَذا القَبِيلِ) (١)، فلا نُؤْمِنُ به ولا نُكَذِّبُهُ؛ ويجوزُ حكايَتُهُ لما تَقَدَّم؛ وغالبُ ذلك ممَّا لا فَائِدَةَ فيه تعُودُ إلى أمْرٍ دِينيِّ.

ولهذا يختلف علماءُ أهلِ الكتاب في هَذا كَثِيرًا؛ ويأتي عن المفَسِّرينَ خِلافٌ بسببِ ذلكَ، كما يذكُرُون في مِثْل هذا أسماءَ أصحَاب الكَهْفِ، ولَوْنَ كلبِهِم، وعِدَّتَهْم، وَعَصَا موسى من أيِّ (شَجَرٍ) (٢) كانت، وأسماءَ الطُّيورِ التيَ أحياها الله لإِبْرَاهِيمَ، وتعيينَ البَعْضِ الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البَقَرةِ، ونوعَ الشَّجرةِ التي كلَّمَ اللهُ منها مُوْسَى إِلى غيرِ ذلك مما أبهَمَهُ الله تعالى في القرآنِ، مما لا فائدةَ في تعيينِهِ تعودُ على المكلَّفين في دينِهم ولا دُنْيَاهم؛ ولكنَّ نَقْلَ الخلاف عنهم في ذلك جائزٌ، كما قال تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢)[الكهف] فقد اشتملت هذه الآيةُ الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليمِ ما ينبغي في مِثْلِ هذا؛ فإنه تعالى (حكى) (٣) عنهم ثلاثةَ أقوال، ضعَّف القولين الأولين، وسكت عن الثالث؛ فدلَّ على صحته؛ إذ لو كان باطلًا لردَّه كما ردَّها.

ثم أرشد (إلى) (٤) أَنَّ الاطِّلاعَ على عِدَّتهم لا طائلَ تحته (٥) [(فيقال) (٦) في مثل هذا: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائلَ تحته] (٥) ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رَجْم الغيب.

فهذا أحسنُ ما يكون في حكاية الخلاف: أن تَسْتَوْعِب الأقوالَ في ذلك المقام، وأن تُنَبِّه على الصحيح منها، وتبطل الباطل، وتذكر فائدةَ الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاعُ والخلافُ فيما لا فائدةَ تحته؛ فتشتغل به عن "الأهم" (٧).

فأما مَنْ حكى خلافًا في مسألة، ولم يستوعب أقوالَ الناس فيها، فهو ناقص؛ (٨) [إذ (قد) (٩) يكون الصوابُ في الذي تركه؛ أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبِّه على الصحيح من الأقوالِ، فهو ناقص] (٨) أيضًا، فإنْ صحَّحَ غَيْرَ الصحيح عامدًا فقد (١/ ٣/ ٢) تعمَّد الكذبَ، أو جاهلًا فقد


(١) ساقط من (ج).
(٢) في (ز) و (ن): "الشجر".
(٣) كذا في (ج) و (ل). ووقع في "ع" و (ك) و (ى) و (ز): "أخبر" وأشار في هامش (ع) و (ى) إلى اللفظ الآخر.
(٤) في (ز) و (ن): "على".
(٥) ساقط من (ك).
(٦) في (ز): "فقال".
(٧) في (ز) و (ن): "الأهم فالأهم" وهي زيادة قلقة.
(٨) ساقط من (ك).
(٩) ساقط من (ج).