للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ أي: لا يفتر عنهم ساعةً واحدةً؛ ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ أي: وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي، ولا يجيرهم منه (١).

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)﴾.

ينعت بني إسرائيل بالعتو والعناد، والمخالفة والاستكبار على الأنبياء، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم؛ فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب، وهو التوراة، فحرفوها وبدلوها، وخالفوا أوامرها وأولوها، وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ … ﴾ الآية [المائدة: ٤٤].

ولهذا قال (تعالى) (٢): ﴿وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾ قال السدي، عن أبي مالك: أتبعنا. وقال غيره: أردفنا. والكل قريب؛ كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ [المؤمنون: ٤٤] حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام؛ ولهذا أعطاه الله من البينات. وهي المعجزات؛ قال ابن عباس (٣): من إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، (وإبرائه) (٤) الأسقام، وإخباره بالغيوب، (والتأييد) (٥) بروح القدس - وهو جبريل ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به، فاشتد تكذيب بني إسرائيل له، وحسدهم وعنادهم، لمخالفة التوراة في البعض؛ كما قال تعالى، إخبارًا عن عيسى: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ … ﴾ الآية [آل عمران: ٥٠] فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء (٦)؛ (ففريقًا يكذبون وفريقًا يكذبونه ويقتلونه) (٧)، وما ذاك إلا لأنهم (كانوا) (٨) يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم، (وبإلزامهم) (٩) بأحكام التوراة التي (قد) (١٠) تصرفوا في مخالفتها؛ فلهذا كان ذلك يشق عليهم (فيكذبونهم) (١١)؛ وربما قتلوا بعضهم، ولهذا قال تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾!

والدليل على أن روح القدس هو جبريل كما نص عليه ابن مسعود (١٢) في تفسير هذه الآية،


(١) في (ع): "بلغ قراءةً على المصنف، فسح الله في مدته، معارضًا بأصله".
(٢) من (ن).
(٣) أخرجه ابن جرير (١٤٨٣)؛ وابن أبي حاتم (٨٨٧) من طريق سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس. [وسنده حسن].
(٤) كذا في سائر الأصول؛ وفي (ن): "إبراء".
(٥) في (ن): "وتأييده".
(٦) من (ز) و (ض) و (ك) و (ى).
(٧) هكذا العبارة في (ج) و (ض) و (ع) و (ل) و (ى)؛ وفي (ز) و (ن): "ففريقًا يكذبونه، وفريقًا يقتلونه".
(٨) ساقط من (ن).
(٩) في (ن): "وبالإلزام".
(١٠) ساقط من (ج).
(١١) في (ن): "فيكذبوهم".
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٨٩٠) من طريق ابن مهدي، ثنا الثوري، عن سلمة بن كهيل، ثنا أبو الزعراء، قال: قال عبد الله: روح القدس: جبريل. [وسنده حسن].