للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حميد بن عبد الرحمن؛ قال: قال ابن مسعود: كنت لا أُحجب عن النجوى، ولا عن كذا ولا عن كذا، فأتيت رسول الله وعنده مالك بن مرارة الرهاوي، (فأدركت) (١) من آخر حديثه، وهو يقول: يا رسول الله؛ قد قُسم لي من الجمال ما ترى، فما أحب أن أحدًا من النَّاس فضلني بشراكين فما فوقهما؛ أليس ذلك هو البغي؟ فقال: لا، ليس ذلك من البغي، ولكن البغي من بطر أو قال: "سفه الحق، وغمط الناس يعني: رد الحق، وانتقاص الناس، والازدراء بهم، والتعاظم عليهم.

ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله، وقتلهم أنبياءه أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد، وكساهم ذلًا في الدنيا موصولًا بذل الآخرة جزاءً وفاقًا.

قال أبو داود (٢) الطيالسي: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم (من) (٣) آخر النهار.

وقد قال الإمام (٤) أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبان، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله - يعني: ابن مسعود - أن رسول الله قال: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيًا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين".

وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به؛ أنهم كانوا يعصون ويعتدون؛ فالعصيان: فعل المناهى. والاعتداء: المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به. والله أعلم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾.

لما بيَّن تعالى حال من خالف أوامره، وارتكب زواجره، وتعدى في فعل ما (لا) (٥) إذن فيه، وانتهك المحارم؛ وما أحل بهم من النكال، نبَّه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاءً الحُسنى.


(١) كذا في (ج) و (ل) و (ن) و (ى) وهو الموافق لما في "المسند"؛ وفي (ز) و (ض): "فأدركته".
(٢) أخرجه أبو داود الطيالسي، كما في "الدر المنثور" (١/ ٧٣)، ومن طريقه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦٣٦) وسنده صحيح. وأبو معمر هو عبد الله بن سخبرة.
(٣) كذا في (ك) و (ن) و (ى) وهو الموافق لما في "تفسير ابن أبي حاتم"، ووقع في (ج) و (ز) و (ض) و (ل): "في".
(٤) في "مسندها (١/ ٤٠٧).
وأخرجه البزار في "مسنده" (ج ٢/ رقم ١٦٠٣) قال: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، حدثني أبي بسنده سواء. وقال: "لا نعلم أسنده عن أبي وائل غير أبان". وهذا سند جيد كما قال المنذري في "الترغيب" (٣/ ١٠٤): وللحديث طرق أخرى عن ابن مسعود وشواهد عن جماعة من الصحابة ذكرتها في "تسلية الكظيم".
(٥) ساقط من (ج) و (ض) و (ل) و (ى).