للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر، فصار منه اثنتا عشرة عينًا من ماءٍ، لكل سبط منهم عين يشربون منها.

وقال مجاهد (١) نحو قول ابن عباس.

وهذه القصة شبيهة بالقصة التي في "سورة الأعراف"، ولكن تلك مكية، فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب؛ لأن الله تعالى يقص على رسوله ما فعل بهم.

(وأما) (٢) في هذه السورة وهي "البقرة" فهي مدنية؛ فلهذا كان الخطاب (فيها) (٣) متوجهًا إليهم، وأخبر هناك بقوله: ﴿فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [الأعراف: ١٦٠] وهو أول الانفجار. وأخبر ها هنا بما آل إليه الحال آخرًا، وهو الانفجار؛ فناسب ذكر (هذا) (٤) ها هنا وذاك هناك. والله أعلم. (٥) [وبين السياقين تباين من عشرة أوجه لفظية ومعنوية، قد سأل عنها (الرازي) (٦) في "تفسيره (٧)، وأجاب عنها بما عنده، والأمر في ذلك قريب. والله أعلم"] (٥).

﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾.

يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى طعامًا طيبًا نافعًا، هنيئًا سهلًا؛ واذكروا دَبَركم (٨) وضجركم مما (رزقناكم) (٩)، وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيئة (١٠) من البقول ونحوها مما سألتم.

وقال الحسن البصري: فبطروا ذلك (ولم) (١١) يصبروا عليه، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه،


= عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس. وسفيان الواقع في السند هو ابن عيينة وإبراهيم بن بشار الرمادي من قدماء أصحابه، فقول المصنف أن سفيان هو الثوري فيه نظر، فإن الرمادي لم يدرك الثوري وبين وفاتيهما سبع وستون عامًا أو أقل قليلًا. وقد صرح ابن جرير أن سفيان هو ابن عيينة في موضع آخر من "تفسيره" (٨٩٢) بذات السند هنا وأبو سعيد هو عبد الكريم بن مالك الجزري. وهذا سند جيد.
(١) أخرجه ابن جرير (١٠٤٦). [بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد].
(٢) في (ج): "وما".
(٣) من (ز) و (ن).
(٤) في (ن): "الانفجار"!
(٥) ساقط من (ز) و (ض) و (هـ).
(٦) في (ن): "الزمخشري".
(٧) انظر: "تفسير الرازي" (٢/ ١٠٢ - ١٠٤).
(٨) يعني: تألمكم ونفوركم؛ من "دبر البعير وحفي".
(٩) كذا في (ك) و (ل) و (ن) و (هـ)؛ وفي (ز) و (ض) و (ى): "رزقتكم"؛ وفي (ج): "رزقكم".
(١٠) كذا قال المصنف : والمعروف أن باء الاستبدال إنما تلتحق بالمتروك، فلا يقال: استبدلت الثوب القديم بثوب جديد، وإنما يقال: استبدلت الثوب الجديد بثوب قديم، فـ"الباء" إنما تلتحق بما تركته، وأنت تركت القديم لا الجديد وفي هذه الآية ما يدل على ذلك فقال تعالى: "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير" فهم تركوا الذي هو خير، فالتحقت الباء بما تركوه. وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ [النساء: ٢] فقد نهوا أن يتركوا الطيب، فالتحقت الباء به. والله أعلم.
(١١) في (ن): "فلم".