للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قال القرطبي (١): دعوى الإجماع لا تصح؛ لأن (المؤرج) (٢) أحد علماء اللغة والتفسير قال: إنه العسل؛ واستدل ببيت الهذلي هذا، وذكر أنه كذلك في لغة كنانة لأنه (يسلى) (٣) به، ومنه: عين سلوان.

وقال الجوهري: السلوى: العسل. واستشهد ببيت الهذلي أيضًا. والسلوانة - بالضم: خرزة كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر] (٤) [فشربها العاشق سلا؛ قال الشاعر:

شربت على سلوانة ماء مزنة … فلا وجديد العيش يا ميُّ ما أسلو

واسم ذلك الماء: السلوان.

وقال بعضهم: السلوان دواء (يشفي) (٥) الحزين فيسلو، والأطباء يسمونه ("المفرج") (٦).

قالوا: والسلوى جمع بلفظ الواحد أيضًا، كما يقال: "سمانا" للمفرد والجمع [(ودفلى) (٧) كذلك] (٨). وقال الخليل: واحده سلواة، وأنشد:

وإني لتعروني لذكراك هزة … كما انتفض السلواة من بلل القطر

وقال الكسائي: السلوى واحدة، وجمعه سلاوى: نقله كله القرطبي] (٤).

وقوله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أمر إباحة وإرشاد وامتنان.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي: أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا، كما قال: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [سبأ: ١٥] فخالفوا وكفروا، فظلموا أنفسهم؛ هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات، والمعجزات القاطعات، وخوارق العادات.

ومن ها هنا (تتبين) (٩) فضيلة أصحاب محمد () (١٠) و ، على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم، (كما كانوا) (١١) معه في أسفاره وغزواته، منها عام تبوك، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد، لم يسألوا خرق عادة، ولا إيجاد أمر، مع أن ذلك كان سهلًا على (الرسول) (١٢) ، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم، فجمعوا ما معهم، فجاء قدر مبرك الشاة، فدعا الله فيه، وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم. وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى، (فجاءت) (١٣) سحابة فأمطرتهم فشربوا وسقوا الإبل، وملئوا أسقيتهم، ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر.

فهذا هو الأكمل في الاتباع: المشي مع قدر الله، مع متابعة الرسول .


(١) في "تفسيره" (١/ ٤٠٧).
(٢) بكسر الراء المشددة، ابن عمرو، أبو فيد السدوسي أحد أصحاب الخليل بن أحمد الفراهيدي، من طبقة سيبويه والنضر بن شميل. توفي سنة (١٩٥) يوم موت أبي نواس الشاعر المعروف.
(٣) في (ل): "سبلى"!
(٤) ساقط من (ز) و (ض) و (هـ).
(٥) في (ك): "يسقى"؛ وفي (ل): "شفى".
(٦) في (ن): "مفرج".
(٧) في (ن): "وويلى"!
(٨) بياض في (ع) و (ى).
(٩) في (ج): "يتبين".
(١٠) في (ج) و (ض) و (ك): "صلوات الله وسلامه عليه".
(١١) في (ن): "مع ما كانوا".
(١٢) في (ن): "النبي".
(١٣) في (ن): "فجاءتهم".