للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)﴾ قال ابن عباس الزرابي البسط (١)، وكذا قال الضحاك وغير واحد، ومعنى مبثوثة ههنا وههنا لمن أراد الجلوس عليها، ونذكر ههنا هذا الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي داود، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبي، عن محمد بن مهاجر، عن الضحاك المعافري، عن سليمان بن موسى، حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله : "ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها -وهي ورب الكعبة- نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة، في محلة عالية بهية؟ " قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها، قال: "قولوا إن شاء الله" قال القوم: إن شاء الله (٢)، ورواه ابن ماجه عن العباس بن عثمان الدمشقي، عن الوليد بن مسلم، عن محمد بن مهاجر به (٣).

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)﴾.

يقول تعالى آمرًا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)﴾ فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها، ونبهوا بذلك؛ لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل.

وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت؟ (٤)

﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨)﴾ أي: كيف رفعها الله ﷿ عن الأرض هذا الرفع العظيم! كما قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦)[ق].

﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩)﴾ أي: جعلت منصوبة فإنها ثابتة راسية؛ لئلا تميد الأرض بأهلها، وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن

﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠)﴾ أي: كيف بسطت ومدت ومهدت! فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه والسماء التي فوق رأسه، والجبل الذي تجاهه والأرض التي تحته على قدرة خالق ذلك وصانعه وأنه الربُّ العظيم الخالق المالك المتصرف، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه، وهكذا أقسم ضمام في سؤاله على رسول الله كما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة، عن قتادة بلفظ: "المبسوطة".
(٢) أخرجه ابن أبي داود بسنده ومتنه. (البعث ح ٧١) وفي سنده الضحاك المعافري وهو مقبول. (التقريب ص ٢٨٠)؛ وأخرجه ابن ماجه من طريق الضحاك المعافري به. (السنن، الزهد، باب صفة الجنة ح ٤٣٣٢)؛ وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
(٣) المصدر السابق.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق رجل مبهم عن شريح.