للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليهم مثل نفقته عليها (١).

وقال ابن جرير: حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن الزهري قال: أقرَّ المؤمنون بحكم الله فأدوا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقرُّوا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين (٢)، فقال الله تعالى للمؤمنين به ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١)﴾.

فلو أنها ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين، ردَّ المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أُمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم، التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمنَّ وهاجرنَّ، ثم ردُّوا إلى المشركين فضلًا إن كان بقي لهم، والعقب ما كان بقي من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن.

وقال العوفي، عن ابن عباس في هذه الآية؛ يعني: إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار أمر له رسول الله أنه يعطي مثل ما أنفق من الغنيمة (٣)، وهكذا قال مجاهد (٤): ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم ﴿فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا﴾ يعني: مهر مثلها. وهكذا قال مسروق وإبراهيم وقتادة ومقاتل والضحاك وسفيان بن حسين والزهري أيضًا (٥). وهذا لا ينافي الأول لأنه إن أمكن الأول فهو الأولى وإلا فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار، وهذا أوسع وهو اختيار ابن جرير، ولله الحمد والمنة.

﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)﴾.

قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه قال: أخبرني عروة أن عائشة زوج النبي أخبرته أن رسول الله كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ إلى قوله: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال عروة: قالت عائشة فمن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله: "قد بايعتكِ" كلامًا ولا واللهِ ما مسَّت يده يد امرأة في المبايعة قط، وما يبايعهن إلا بقوله: "قد بايعتك على ذلك" (٦). هذا لفظ البخاري.


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ورجاله ثقات لكنه مرسل.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بما يليه.
(٤) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق مسلم بن صبيح عن مسروق. (المصنف ٣/ ٤٣٢) وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٦) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ﴾ [الممتحنة: ١٠] ح ٤٨٩١).