للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأسلموا له، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان.

وقد قال مقاتل بن حيان: إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب، فإن رسول الله تزوج ابنته، فكانت هذه موَدَّة ما بينه وبينه، وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر، فإن رسول الله تزوج بأُم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف (١)، وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال: قرى على محمد بن عزيز، حدثني سلامة، حدثني عقيل، حدثني ابن شهاب أن رسول الله استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن، فلما قُبض رسول الله أقبل فلقي ذا الخمار مرتدًا فقاتله، فكان أول من قاتل في الرِدَّة وجاهد عن الدين، قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل الله فيه ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً﴾ (٢) الآية.

وفي صحيح مسلم، عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال: "نعم" قال: تأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: "نعم" قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك، قال: "نعم" قال: وعندي أحسن العرب وأجمله أُم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها (٣) الحديث، وقد تقدم الكلام عليه.

وقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ أي: يعاونوا على إخراجكم؛ أي: لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم ﴿أَنْ تَبَرُّوهُمْ﴾ أي: تحسنوا إليهم ﴿وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ أي: تعدلوا ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت أُمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي فقلت: يا رسول الله إن أُمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك" (٤). أخرجاه (٥). وقال الإمام أحمد: حدثنا عارم، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا مصعب بن ثابت، حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ضِبَاب وقرظ (٦) وسمن وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. فسألت عائشة النبي فأنزل الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ إلى آخر الآية. فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها (٧).

وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث مصعب بن ثابت به (٨)، وفي رواية لأحمد


(١) سنده معضل.
(٢) سنده مرسل.
(٣) صحيح مسلم، فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي سفيان بن حرب (ح ٢٥٠١).
(٤) أخرجه الإمام أحمد عن سفيان عن هشام به (المسند ٤٤/ ٤٨٢ ح ٢٦٩١٣) وسنده صحيح.
(٥) أخرجه الشيخان من طريق أبي أسامة عن هشام به. (صحيح البخاري، الهبة، باب الهدية للمشركين ح ٢٦٢٠) وصحيح مسلم، الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين (ح ١٠٠٣/ ٥٠).
(٦) هو ورق يدبغ به.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وزيادة في بيان نسب قتيلة. (المسند ٢٦/ ٣٧ ح ١٦١١١) وضعف سنده محققوه لضعف مصعب بن ثابت.
(٨) أخرجه الطبري من طريق مصعب، وحكمه كسابقه.