للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)﴾.

يقول تعالى مُبيّنًا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ أي: خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم وهؤلاء هم سادات المهاجرين.

ثم قال تعالى مادحًا للأنصار ومبيّنًا فضلهم وشرفهم وكرمهم، وعدم حسدهم وإيثارهم مع الحاجة فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم.

قال عمر: وأوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم كرامتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل، أن يقبل من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم (١). رواه البخاري ههنا أيضًا.

وقوله: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ أي: من كرمهم وشرف أنفسهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم.

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حميد، عن أنس قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلًا في كثير، لقد كفونا المؤونة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: "لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم" (٢). لم أره في الكتب من هذا الوجه.

وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال: دعا النبي الأنصار أن يقطع لهم البحرين. قالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها قال: "إما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم بعدي أَثرة" (٣). تفرد به البخاري من هذا الوجه.

وقال البخاري: حدثنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا. فقالوا: أتكفوننا المؤنة ونشرككم في الثمرة. قالوا: سمعنا وأطعنا (٤). تفرد به دون مسلم. ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ


(١) أخرجه البخاري بسنده عن عمر . (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾ [الحشر: ٩] ح ٤٨٨٨).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٠/ ٣٦٠، ٣٦١ ح ١٣٠٧٥) وصحح سنده محققوه.
(٣) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، مناقب الأنصار، باب قول النبي للأنصار: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" ح ٣٧٩٤).
(٤) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، الحرث والمزارعة، باب إذا قال: اكفني مؤونة النحل وغيره .. ح ٢٣٢٥).