للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مقاتل بن حيان: كان رسول الله يقاتلهم فإذا ظهر على درب أو دار هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال، وكان اليهود إذا علَوا مكانًا أو غلبوا على درب أو دار نقبوا من أدبارها ثم حصنوها ودبروها، يقول الله تعالى: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (١).

وقوله: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ أي: لولا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء وهو النفي من ديارهم وأموالهم لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل والسبي ونحو ذلك، قاله الزهري، عن عروة والسدي وابن زيد (٢)؛ لأن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الدار الآخرة من العذاب في نار جهنم.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث، حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير قال: ثم كانت وقعة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على الجلاء، وأن لهم ما أقلَّت الإبل من الأموال والأمتعة إلا الحلقة وهي السلاح، فأجلاهم رسول الله قبل الشام، قال: والجلاء كُتب عليهم في آي من التوراة، وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء قبل ما سلط عليهم رسول الله ، وأنزل الله فيهم ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ (٣).

وقال عكرمة: ﴿الْجَلَاءَ﴾ القتل، وفي رواية عنه الفناء.

وقال قتادة: ﴿الْجَلَاءَ﴾ خروج الناس من البلد إلى البلد (٤).

وقال الضحاك: أجلاهم إلى الشام، وأعطى كل ثلاثة بعيرًا وسقاء، فهذا الجلاء.

وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي، حدثنا محمد بن سعيد العوفي، حدثني أبي، عن عمي، حدثنا أبي، عن جدي، عن ابن عباس، قال: كان النبي قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم وأوطانهم، وأن يسيَّرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاء، والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى (٥).

وروي أيضًا من حديث يعقوب بن محمد الزهري، عن إبراهيم بن جعفر، عن محمود بن محمد بن [مسلمة] (٦)، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة أن رسول الله بعثه إلى بني النضير، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام (٧).


(١) أخرجه البيهقي عن مقاتل بن حيان. (دلائل النبوة ٣/ ٣٥٨) وسنده معضل.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن الزهري.
(٣) سنده حسن لكنه مرسل ويتقوى بالسابق واللاحق.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه البيهقي (دلائل النبوة ٣/ ٣٥٩) وسنده ضعيف.
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "مسلم".
(٧) أخرجه البيهقي (دلائل النبوة ٣/ ٣٦٠) في سنده محمود بن محمد بن مسلمة سكت عنه ابن أبي حاتم. =