للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الرحمن [الهروي] (١)، حدثنا علي بن العاصم، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قال: كانت خولة بنت دليج تحت رجل من الأنصار، وكان ضرير البصر فقيرًا سيء الخلق، وكان طلاق أهل الجاهلية إذا أراد رجل أن يطلق امرأته قال: أنت عليَّ كظهر أُمي، وكان لها منه عَيّل أو عَيِّلان فنازعته يومًا في شيء فقال: أنت علي كظهر أمي، فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبي وهو في بيت عائشة، وعائشة تغسل شقَّ رأسه فقدمت عليه ومعها عَيَّلها، فقالت: يا رسول الله إن زوجي ضرير البصر فقير لا شيء له سيء الخلق، وإني نازعته في شيء، فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي ولم يرد به الطلاق، ولي منه عَيّل أو عَيّلان فقال: "ما أعلمك إلا قد حرمت عليه".

فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي، قالت: ودارت عائشة فغسلت شق رأسه الآخر، فدارت معها فقالت: يا رسول الله زوجي ضرير البصر فقير سيء الخلق وإن لي منه عيل أو عيلان وإني نازعته في شيء فغضب وقال: أنت عليَّ كظهر أمي ولم يرد به الطلاق، قالت: فرفع إلي رأسه وقال: "ما أعلمك إلا قد حرمت عليه" فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي قال: ورأت عائشة وجه النبي تغير، فقالت لها: وراءك فتنحت، فمكث رسول الله في غشيانه ذلك ما شاء الله، فلما انقطع الوحي قال: يا عائشة أين المرأة فدعتها، فقال لها رسول الله : "اذهبي فأتني بزوجك" فانطلقت تسعى، فجاءت به فإذا هو كما قالت ضرير البصر فقير سيء الخلق.

فقال النبي : "أستعيذ بالله السميع العليم ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ قال النبي : "أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها" قال: لا، قال: "أفلا تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال: والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرتين والثلاث يكاد يعشو بصري. قال: "أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ " قال: لا، إلا أن تعينني. قال: فأعانه رسول الله فقال: "أطعم ستين مسكينًا" قال: وحول الله الطلاق فجعله ظهارًا (٢)، ورواه ابن جرير، عن ابن المثنى، عن عبد الأعلى، عن داود سمعت أبا العالية فذكر نحوه بأخصر من هذا السياق (٣)، وقال سعيد بن جبير: كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية، فوقت الله الإيلاء أربعة أشهر وجعل في الظهار الكفارة، رواه ابن أبي حاتم بنحوه، وقد استدل الإمام مالك على أن الكافر لا يدخل في هذه الآية بقوله منكم فالخطاب للمؤمنين، وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، واستدل الجمهور عليه بقوله: ﴿مِنْ﴾ على أن الأمة لا ظهار منها ولا تدخل في هذا الخطاب.

وقوله تعالى: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ أي: لا تصير المرأة بقول الرجل أنتِ عليَّ كأمي أو مثل أمي أو كظهر أُمي وما أشبه ذلك، لا تصير أُمه بذلك إنما أُمه التي


(١) زيادة من (ح) و (حم).
(٢) سنده مرسل ويشهد له ما سبق من الصحيح.
(٣) أخرجه الطبري عن ابن المثنى به، وحكمه كسابقه.