للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصامت وزوجته خويلة بنت ثعلبة، كما دلَّ عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل.

قال خُصيف: عن مجاهد، عن ابن عباس: أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت، وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقًا، فأتت رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أوسًا ظاهر مني، وإنّا إن افترقنا هلكنا وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] إلى قوله تعالى: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فدعاه رسول الله فقال: "أتقدر على رقبة تعتقها" (١) قال: لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها. قال: فجمع له رسول الله حتى أعتق عنه ثم راجع أهله (٢). رواه ابن جرير ولهذا ذهب ابن عباس والأكثرون إلى ما قلناه والله أعلم.

فقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ أصل الظهار مشتق من الظهر، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها: أنت عليَّ كظهر أُمي ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسًا على الظهر، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقًا فأرخص الله لهذه الأُمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقًا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم، هكذا قال غير واحد من السلف.

قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية أنت علي كظهر أمي حرمت عليه فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس، وكان تحته ابنة عمّ له يقال لها: خويلة بنت ثعلبة، فظاهر منها فأسقط في يديه، وقال ما أراك إلا قد حرمت علي وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول الله فأتت رسول الله فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فقال: "يا خويلة" ما أمرنا في أمرك بشيء، فأنزل الله على رسوله فقال: "يا خويلة أبشري" قالت: خيرًا، فقرأ عليها ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة: ١] إلى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ قالت: وأي رقبة لنا والله ما يجد رقبة غيري

قال: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ قالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره قال: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ قالت: من أين؟ ما هي إلا أكلة إلي مثلها، قال: فدعا بشطر وشق ثلاثين صاعًا والوسق ستون صاعًا فقال: ليطعم ستين مسكينًا وليراجعك (٣). وهذا إسناد قوي وسياق غريب، وقد روي عن أبي العالية نحو هذا.


(١) سنن أبي داود، الطلاق، باب في الظهار (ح ٢٢١٣) وسنن ابن ماجه، الطلاق، باب في الظهار (ح ٢٠٦٢) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١٩٣٣)، وسنن الترمذي، التفسير باب ومن سورة المجادلة (٣٢٩٥).
(٢) أخرجه الطبري من طريق عبد العزيز بن عبد الرحمن الأُموي عن خصيف به، وفي سنده عبد العزيز الأموي وهو متهم (ينظر الجرح والتعديل ٥/ ٣٨٨) لكنه يتقوى بما سبق من الشواهد.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف أبي حمزة وهو ثابت بن أبي صفية وهو رافضي أيضًا. (التقريب ص ١٣٢). وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (ح ١٥١٣) وقال البزار: وأبو حمزة لين الحديث، وقد خالف في روايته ومتن حديثه الثقات في أمر الظهار.