للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو العالية: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)﴾ ليس أنتم، أنتم أصحاب الذنوب (١).

وقال ابن زيد: زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون (٢) كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)[الشعراء] وهذا القول قول جيد، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله.

وقال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به (٣).

وقال آخرون: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)﴾ أي: من الجنابة والحدث قالوا: ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن ههنا المصحف، كما روى مسلم، عن ابن عمر أن رسول الله نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (٤). واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله لعمرو بن حزم: أن لا يمس القرآن إلا طاهر (٥).

وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله قال: "ولا يمس القرآن إلا طاهر" (٦). وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به، وقد أسنده الدارقطني، عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمر وعثمان بن أبي العاص وفي إسناد كل منهما نظر (٧)، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)﴾ أي: هذا القرآن منزل من الله رب العالمين وليس هو كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر، بل هو الحق الذي لا مرية فيه وليس وراءه حق نافع.

وقوله تعالى: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١)﴾ قال العوفي، عن ابن عباس: أي مكذبون غير مصدقين (٨)، وكذا قال الضحاك وأبو حزرة والسدي.

وقال مجاهد: ﴿مُدْهِنُونَ﴾ أي: تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم (٩). ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)﴾ قال بعضهم: معنى ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ بمعنى شكركم أنكم تكذبون [أي تكذبون بدل


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١٣/ ٥٤٨) والطبري بسند حسن من طريق عاصم الأحول عن أبي العالية.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٣) ذكره الفراء (معاني القرآن ٣/ ١٣٠).
(٤) أخرجه مسلم (الصحيح، الإمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم ح ١٨٦٩).
(٥) الموطأ، القرآن، باب الأمر بالوضوء لمن مسّ القرآن ١/ ١٧٧ ح ١. وسنده مرسل.
(٦) أخرجه أبو داود وقال: روي هذا الحديث مسندًا ولا يصح. (المراسل ح ٩٤).
(٧) سنن الدارقطني، الطهارة، باب في نهي المحدث عن مسِّ القرآن ١/ ٢٢ (ح ٥) وألمح الحافظ ابن كثير إلى تضعيفه، وضعفه الألباني (إرواء الغليل ١/ ١٥٨).
(٨) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ومعناه صحيح.
(٩) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.