للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال [الكسائي] (١): تفكه من الأضداد، تقول العرب تفكهت بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت (٢).

ثم قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾ يعني: السحاب، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد (٣).

﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ يقول: بل نحن المنزلون ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ أي: زعافًا مُرًّا لا يصلح لشرب ولا زرع ﴿فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ أي: فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذبًا زلالًا ﴿لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)[النحل].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن جابر، عن أبي جعفر، عن النبي أنه كان إذا شرب الماء قال: "الحمد لله الذي سقانا عذبًا فراتًا برحمته، ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا" (٤).

ثم قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)﴾ أي: تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها ﴿أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢)﴾ أي: بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها. وللعرب شجرتان (إحداهما) المرخ، (والأخرى) العفار، إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار.

وقوله تعالى: ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً﴾ قال مجاهد وقتادة: أي تذكر النار الكبرى (٥)، قال قتادة: ذُكر لنا أن رسول الله قال: "يا قوم ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم" قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية. قال: "إنها قد ضربت بالماء ضربتين - أو مرتين - حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" (٦). وهذا الذي أرسله قتادة قد رواه الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد" (٧).

وقال الإمام مالك: عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم" فقالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية، فقال: "إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا" (٨). رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث أبي الزناد ورواه مسلم من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة


(١) كذا في (حم) و (ح)، وفي الأصل بياض.
(٢) ذكره البغوي (معالم التنزيل ٤/ ٢٨٨).
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس ويتقوى بما أخرجه آدم والطبري بسند صحيح.
(٤) سنده ضعيف لإرساله.
(٥) أخرجه آدم بن أبي آياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٦) الحديث تتمة للأثر السابق لكنه مرسل ويشهد لشقه الأول الحديث التالي.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٢٤٤) وسنده صحيح.
(٨) أخرجه الإمام مالك بسنده ومتنه (الموطأ، كتاب جهنم، باب ما جاء في صفة جهنم، ٢/ ٧٥٩ ح ١). وسنده صحيح.