للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٢]؟ وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والاستبعاد. فقال تعالى: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أي: نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى؟ ولهذا قال: ﴿فَلَوْلَا تُصَدِّقُون﴾ أي: فهلا تصدقون بالبعث!

ثم قال مستدلًا عليهم بقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩)﴾؟ أي: أنتم تقرونه في الأرحام وتخلقونه فيها أم الله الخالق لذلك؟

ثم قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ أي: صرفناه بينكم.

وقال الضحاك: ساوى فيه بين أهل السماء والأرض (١). ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي: وما نحن بعاجزين

﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ أي: نغير خلقكم يوم القيامة.

﴿وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: من الصفات والأحوال.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)﴾ أي: قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة وهي البداءة، قادر على النشأة الأخرى وهي الإعادة بطريق الأولى والأحرى، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] وقال تعالى: ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧)[مريم] ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)[يس] وقال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)[القيامة].

﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾.

يقول تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣)﴾؟ وهو شقُّ الأرض وإثارتها والبذر فيها ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ﴾ أي: تنبتونه في الأرض ﴿أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ أي: بل نحن الذين نقره قراره وننبته في الأرض.

قال ابن جرير: وقد حدثني أحمد بن الوليد القرشي، حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي، حدثنا مخلد بن الحسين، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا تقولنَّ: زرعت. ولكن قل: حرثت" قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)(٢). ورواه البزار، عن محمد بن عبد الرحيم، عن مسلم


(١) عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، في سنده مسلم بن أبي مسلم الجرمي نقل الحافظ ابن حجر في ترجمته عن البيهقي هذا الإسناد ثم قال: غير قوي. (لسان الميزان ٦/ ٣٢).