للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة (١)، فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأُمة، ولا شك أن أول كل أُمة خير من آخرها، فيحتمل أن تعمَّ الآية جميع الأُمم كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله قال: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث بتمامه (٢).

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا زياد أبو عمر، عن الحسن، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله : "مثل أُمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره" (٣) فهذا الحديث، بعد الحكم بصحة إسناده، محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها، والفضل للمتقدم وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبرى على الأول واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها ولهذا قال : "لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة" وفي لفظ "حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك" (٤) والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم، والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة لشرف دينها وعظم نبيها، ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول الله ، أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب وفي لفظ "مع كل ألف سبعون ألفًا" وفي آخر: "مع كل واحد سبعون ألفًا" (٥).

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا هشام بن يزيد الطبراني، حدثنا محمد هو ابن إسماعيل بن عياش، حدثني أبي، حدثني ضمضم يعني ابن زرعة، عن شريح هو ابن عبيد، عن أبي مالك قال: قال رسول الله : "أما والذي نفسي بيده ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يحيطون الأرض، تقول الملائكة لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع الأنبياء " (٦).

وحسن أن يذكر ههنا عند قوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)﴾ الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة حيث قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي، حدثني أبو وهب الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح الحراني، حدثنا سليمان بن عطاء القرشي الحراني، عن مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن أبي زمل الجهني قال: كان رسول الله إذا صلى الصبح يقول وهو ثان رجليه: "سبحان الله وبحمده أستغفر الله إن الله كان


(١) سنده حسن، وأبو هلال هو محمد بن سليم الراسبي البصري.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة الفرقان آية ٣٨.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣١/ ١٧٤ ح ١٨٨٨١) وقال محققوه: حديث قوي بطرقه وشواهده وحسنه الحافظ ابن حجر بطرفه (فتح الباري ٧/ ٦).
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٢٩.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ١١٠.
(٦) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ٣/ ٢٩٧) وسنده ضعيف لانقطاعه فإن محمد بن إسماعيل بن عياش لم يسمع من أبيه كما في التقريب.