للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْمُقَرَّبُونَ (١١)﴾ ثم قال: أولهم رواحًا إلى المسجد وأولهم خروجًا في سبيل الله (١)، وهذه الأقوال كلها صحيحة فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، كما قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [آل عمران: ١٣٣] وقال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢٢] وقال: فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولهذا قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن زكريا الفزاري الرازي، حدثنا خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: قالت الملائكة: يا ربِّ جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون فاجعل لنا الآخرة، فقال: لا أفعل، فراجعوا ثلاثًا فقال: لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون. ثم قرأ عبد الله ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)(٢). وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الرد على الجهمية ولفظه: فقال الله ﷿: لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كُنْ، فكان (٣).

﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم ثلة؛ أي: جماعة من الأولين وقليل من الآخرين، وقد اختلفوا في المراد بقوله الأولين والآخرين فقيل: المراد بالأولين الأمم الماضية وبالآخرين هذه الأُمة، وهذا رواية عن مجاهد والحسن البصري (٤)، رواها عنهما ابن أبي حاتم: وهو اختيار ابن جرير واستأنس بقوله : "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" (٥) ولم يحك غيره ولا عزاه إلى أحد، ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا شريك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لما نزلت ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)﴾ شقَّ ذلك على


(١) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) سنده ضعيف جدًا لأن خارجة بن مصعب متروك. وكذبه ابن معين (التقريب ص ١٨٦).
(٣) عزاه ابن كثير إلى عثمان بن سعيد الدارمي مرفوعًا (البداية والنهاية ١/ ٥٥) وأخرجه ابن الجوزي من حديث عبد الله بن عمر. وقال: لا يصح (العلل المتناهية ١/ ٤٨).
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وذلك في تفسير الآية ٣٩ من هذه السورة الكريمة، وكذا أخرجه الطبري عن الحسن وفي سنده ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٢٢٤.