للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥)﴾.

يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار، وخلقه الجان من مارج من نار، وهو طرف لهبها، قاله الضحاك عن ابن عباس (١)، وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد (٢).

وقال العوفي، عن ابن عباس: من مارج من نار من لهب النار من أحسنها (٣).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: من مارج من نار من خالص النار (٤)، وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم (٥).

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله : "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" (٦). ورواه مسلم، عن محمد بن رافع وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق به (٧).

وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦)﴾؟ تقدم تفسيره.

﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧)﴾ يعني: مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء، وقال في الآية الأخرى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج: ٤٠] وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس.

وقال في الآية الأخرى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)[المزمل] وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨)﴾؟

وقوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩)﴾ قال ابن عباس: أي: أرسلهما (٨).

وقوله: ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ قال ابن زيد: أي: منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما (٩)، والمراد بقوله البحرين: الملح والحلو، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس، وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ


(١) أخرجه الطبري من طريق الضحاك به، وسنده ضعيف لأن الضحاك لم يلق ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سماك عن عكرمة، وأخرجه الطبري وآدم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن الحسن، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن الضحاك، فيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ١٥٣) وسنده صحيح.
(٧) صحيح مسلم، الزهد، باب في أحاديث متفرقة (ح ٢٩٩٦).
(٨) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٩) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.