للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن ﴿أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ أي: المحاسبون للخلائق، ليس الأمر كذلك بل الله ﷿ هو المالك المتصرف الفعال لما يريد.

وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ أي: مرقاة إلى الملأ الأعلى ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ أي: فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال؛ أي: وليس لهم سبيل إلى ذلك فليسوا على شيء وليس لهم دليل.

ثم قال منكرًا عليهم فيما نسبوه إليه من البنات وجعلهم الملائكة إناثًا، واختيارهم لأنفسهم الذكور على الإناث، بحيث إذا بُشر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسودًا وهو كظيم، هذا وقد جعلوا الملائكة بنات الله وعبدوهم مع الله فقال: ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩)﴾ وهذا تهديد شديد ووعيد أكد

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا﴾؟ أي: أجرة إبلاغك إياهم رسالة الله؛ أي: لست تسألهم على ذلك شيئًا ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ أي: فهم من أدنى شيء يتبرمون منه ويثقلهم ويشق عليهم

﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)﴾ أي: ليس الأمر كذلك فإنه لا يعلم أحد من أهل السماوات والأرض الغيب إلا الله

﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢)﴾ يقول تعالى: أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه، فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم فالذين كفروا هم المكيدون

﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)﴾ وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله، ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون ويشركون فقال: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.

﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (٤٩)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا﴾ أي: عليهم يعذبون به لما صدقوا، ولما أيقنوا بل يقولون: هذا سحاب مركوم؛ أي: متراكم، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)[الحجر]

قال الله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ﴾ أي: دعهم يا محمد ﴿حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ وذلك يوم القيامة

﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ أي: لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا، لا يجزي عنهم يوم القيامة شيئًا ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي: قبل ذلك في الدار الدنيا كقوله: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)[السجدة] ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: نعذبهم في الدنيا ونبتليهم فيها بالمصائب لعلهم يرجعون وينيبون فلا يفهمون ما يراد بهم، بل إذا جلى عنهم مما كانوا فيه، عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه كما جاء في بعض الأحاديث: "إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير، لا يدري فيما عقلوه