للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي قال قائل منهم: احتبسوه في وثاق وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم، فأنزل الله تعالى ذلك من قولهم: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)(١).

ثم قال تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا﴾ أي: عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي: ولكن هم قوم طاغون ضلال معاندون، فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك.

وقوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ أي: اختلقه وافتراه من عند نفسه يعنون القرآن، قال الله تعالى: ﴿بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة

﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)﴾ أي: إن كانوا صادقين في قولهم تقوله وافتراه، فليأتوا بمثل ما جاء به محمد من هذا القرآن، فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ما جاءوا بمثله، ولا بعشر سور من مثله، ولا بسورة من مثله.

﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)﴾.

هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية فقال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)﴾ أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؛ أي: لا هذا ولا هذا بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئًا مذكورًا.

قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: حدثني عن الزهري، عن محمد بن جُبير بن مُطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧)﴾ كاد قلبي أن يطير (٢). وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق عن الزهري به (٣). وجُبير بن مُطعم كان قد قدم على النبي بعد وقعة بدر في فداء الأسارى، وكان إذ ذاك مشركًا، فكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك.

ثم قال تعالى: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦)﴾ أي: أهم خلقوا السماوات والأرض؟ وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله، وهم يعلمون أنه الخالق وحده لا شريك له، ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك

﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧)


(١) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وفيه عنعنة ابن إسحاق ولكن قد صرح بالسماع في رواية البيهقي (دلائل النبوة ٢/ ٤٦٨) وسنده حسن.
(٢) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، سورة الطور ح ٤٨٥٤).
(٣) المصدر السابق (ح ٧٦٥ و ٤٨٥٤) وصحيح مسلم، الصلاة، باب القراءة في الصبح (ح ٤٦٣).