للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله السيف في يده ودعا أصحابه ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل وعفا عنه، وكذلك عفا عن لبيد بن الأعصم الذي سحره ومع هذا لم يعرض له ولا عاتبه مع قدرته عليه، وكذلك عفوه عن المرأة اليهودية -وهي زينب أخت مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمد بن مسلمة- التي سمَّت الذراع يوم خيبر، فأخبره الذراع بذلك، فدعاها فاعترفت، فقال : "ما حملك على ذلك؟ " قالت: أردت إن كنت نبيًّا لم يضرك وإن لم تكن نبيًّا استرحنا منك، فأطلقها ولكن لما مات منه بشر بن البراء قتلها به (١)، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدًّا، ولله الحمد.

﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)﴾.

قوله : ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ كقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] وكقوله: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ الآية [النحل: ١٢٩]، فشرع العدل وهو القصاص وندب إلى الفضل وهو العفو كقوله: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] ولهذا قال ههنا: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ أي: لا يضيع ذلك عند الله كما صحَّ ذلك في الحديث: "وما زاد الله تعالى عبدًا بعفو إلا عزًّا" (٢).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ أي: المعتدين وهو المبتدئ بالسيئة.

ثم قال: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)﴾ أي: ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم.

قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، حدثنا معاذ بن معاذ، حدثنا ابن عون قال: كنت أسأل عن الانتصار في قوله تعالى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)﴾ فحدثني علي بن زيد بن جدعان، عن أم محمد امرأة أبيه قال ابن عون: زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة ، قالت: قالت أم المؤمنين : دخل علينا رسول الله وعندنا زينب بنت جحش ، فجعل النبي يصنع بيده شيئًا فلم يفطن لها، فقلت بيده حتى فطنته لها فأمسك، وأقبلت زينب تقحم لعائشة فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة :"سُبّيها" فسبتها فغلبتها، وانطلقت زينب فأتت عليًّا فقالت: إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم، فجاءت فاطمة ، فقال لها: "إنها حبة أبيك وربِّ الكعبة" فانصرفت، وقالت لعلي : إني قلت له كذا وكذا، فقال لي كذا وكذا، قال: وجاء علي إلى النبي وكلمه في ذلك (٣)، هكذا أورد هذا السياق، وعلي بن زيد بن جدعان، يأتي في رواياته بالمنكرات غالبًا، وهذا فيه


(١) كل ما ذكره الحافظ ابن كثير من الوقائع قد وردت في الصحيحين أو أحدهما.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة النساء آية ١٤٩.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، والحديث ضعيف سندًا ومتنًا، وعلي بن زيد بن جدعان: ضعيف.