يخبر تعالى عن تحاجَ أهل النار في النار وتخاصمهم وفرعون وقومه من جملتهم، فيقول الضعفاء - وهم الأتباع - للذين استكبروا وهم القادة والسادة والكبراء ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ أي: أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ﴾ أي: قسطًا تتحملونه عنا
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا﴾ أي: لا نتحمل عنكم شيئًا كفى بنا ما عندنا وما حملنا من العذاب والنكال ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ أي: فقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كل منا كما قال تعالى: ﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨].
﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (٤٩)﴾ لما علموا أن الله لا يستجيب منهم ولا يستمع لدعائهم بل قد قال: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨]، سألوا الخزنة وهم كالسجانين لأهل النار أن يدعوا لهم الله تعالى أن يخفف عن الكافرين ولو يومًا واحدًا من العذاب فقالت لهم الخزنة رادّين عليهم ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: أو ما قامت عليكم الحجج في الدنيا على ألسنة الرسل ﴿قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا﴾ أي: أنتم لأنفسكم فنحن لا ندعو لكم ولا نسمع منكم ولا نود خلاصكم ونحن منكم براء ثم نخبركم أنه سواء دعوتم أو لم تدعوا لا يستجاب لكم ولا يخفف عنكم ولهذا قالوا: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ أي: إلا في ذهاب ولا يتقبل ولا يستجاب.
قد أورد أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ سؤالًا فقال: قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا وشعياء، ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجرًا كإبراهيم، وإما إلى السماء كعيسى فأين النصرة في الدنيا؟ ثم أجاب عن ذلك بجوابين:
(أحدهما): أن يكون الخبر خرج عامًا والمراد به البعض قال: وهذا سائغ في اللغة.
(الثاني): أن يكون المراد بالنصر والانتصار لهم ممن آذاهم وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبهم أو بعد موتهم كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم