للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال آخرون منهم الضحاك: بل ذلك إذا جيء بجهنم ذهب الناس هِرَابًا منهم فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر وهو قوله تعالى: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ [الحاقة: ١٧]، وقوله: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣)(١) [الرحمن].

وقد روي عن ابن عباس والحسن والضحاك أنهم قرأوا: "يوم التنادّ" بتشديد الدال (٢) من ندّ البعير إذا شرد وذهب، وقيل: لأن الميزان عنده ملك إذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته: ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وإن خفَّ عمله نادى: ألا قد شقي فلان بن فلان.

وقال قتادة: يُنادي كل قوم بأعمالهم، يُنادي أهلُ الجنة أهلَ الجنة وأهلُ النار أهلَ النار (٣)، وقيل: سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار ﴿أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤]، ومناداة أهل النار أهل الجنة ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠]، ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار كما هو مذكور في سورة الأعراف، واختار البغوي وغيره أنه سُمي بذلك لمجموع ذلك، وهو قول حسن جيد، والله أعلم.

وقوله: ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ أي: ذاهبين هاربين ﴿كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢)[القيامة]، ولهذا قال: ﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي: لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي: من أضله الله فلا هادي له غيره.

وقوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ يعني: أهل مصر، وقد بعث الله فيهم رسولًا من قبل موسى وهو: يوسف كان عزيز أهل مصر، وكان رسولًا يدعو إلى الله تعالى أُمته القبط، فما أطاعوه تلك الطاعة إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ولهذا قال تعالى: ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ أي: يئستم فقلتم طامعين: ﴿لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ وذلك لكفرهم وتكذيبهم ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ أي: كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله وارتياب قلبه.

ثم قال: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ أي: الذي يدفعون الحق بالباطل ويجادلون بالحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى فإن الله ﷿ يمقت على ذلك أشد المقت ولهذا قال تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: والمؤمنون أيضًا يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه فلا يعرف بعد ذلك معروفًا ولا ينكر


(١) أخرجه الطبري من طريق أجلح عن الضحاك، وسنده حسن إلى الضحاك لكنه معضل لأن الضحاك تابع تابعي.
(٢) وهي قراءة شاذة تفسير وهي منسوبة إلى ابن عباس والضحاك كما في المحتسب ٢/ ٢٤٣، ومختصر الشواذ (ص ١٣٣)، ونسبها الطبري إلى الحسن البصري من غير سند.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.