للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بهم: ﴿يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسوله ، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾ أي: لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئًا من بأس الله إن أرادنا بسوء.

قال فرعون لقومه رادًّا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ أي: ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي، وقد كذب فرعون فإنه كان يتحقق صدق موسى فيما جاء به من الرسالة ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الإسراء: ١٠٢]، وقال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، فقوله: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ كذب فيه وافترى وخان الله ورسوله ورعيته فغشهم وما نصحهم وكذا قوله: ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ أي: وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد، وقد كذب أيضًا في ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه قال الله : ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود: ٩٧]، وقال تعالى: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٧٩)[طه]، وفي الحديث: "ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام" (١).

﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (٣١) وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)﴾.

هذا إخبار من الله ﷿ عن هذا الرجل الصالح مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والآخرة فقال: ﴿يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾ أي: الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة كيف حلَّ بهم بأس الله وما ردَّه عنهم راد ولا صدَّه عنهم صاد.

﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ أي: إنما أهلكهم الله تعالى بذنوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره فأنفذ فيهم قدره

ثم قال: ﴿وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢)﴾ يعني: يوم القيامة وسُمي بذلك، قال بعضهم: لِما جاء في حديث الصور أن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر وماجت وارتجت، فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضًا (٢).


(١) أخرجه الشيخان من حديث معقل بن يسار . (صحيح البخاري، الأحكام، باب من استُرعي رعية فلم ينصح ح ٧١٥٠)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار ح ٢٢٧).
(٢) تقدم تخريج حديث الصور في تفسير سورة الأنعام آية ٧٣.