للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرًا ولا تدفع عنهم شرًا، إنما هي أصنام (١)، وهكذا قال الحسن البصري (٢)، وهذا القول حسن، وهو اختيار ابن جرير رحمه الله تعالى (٣).

وقوله تعالى: ﴿فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾ أي: تكذيبهم لك وكفرهم بالله ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي: نحن نعلم جميع ما هم فيه، وسنجزيهم وصفهم ونعاملهم على ذلك يوم لا يفقدون من أعمالهم جليلًا ولا حقيرًا ولا صغيرًا ولا كبيرًا بل يعرض عليهم جميع ما كانوا يعملون قديمًا وحديثًا.

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)﴾.

قال مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدي وقتادة: جاء أُبي بن خلف لعنه الله إلى رسول الله وفي يده عظم رميم، وهو يُفتَّه ويذروه في الهواء، وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ قال : "نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار" ونزلت هذه الآيات من آخر يس: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ إلى آخرهن (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا عثمان بن سعيد الزيات، عن هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن العاص بن وائل أخذ عظمًا من البطحاء ففته بيده، ثم قال لرسول الله : أيحيي الله هذا بعدما أرى؟ فقال رسول الله : "نعم يميتك الله، ثم يحييك، ثم يدخلك جهنم" قال: ونزلت الآيات من آخر يس (٥)، ورواه ابن جرير، عن يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير فذكره ولم يذكر ابن عباس (٦).

وروي من طريق العوفي، عن ابن عباس قال: جاء عبد الله بن أُبي بعظم ففته، وذكر نحو ما تقدم (٧)، وهذا منكر؛ لأن السورة مكية وعبد الله بن أُبي بن سلول إنما كان بالمدينة، وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أُبي بن خلف أو العاص بن وائل أو فيهما، فهي عامة في كل من أنكر البعث، والألف واللام في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ﴾ للجنس يعمّ كلَّ منكر للبعث ﴿أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ أي: أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) رجحه الطبري.
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو مرسل ويتقوى بالمرسل الآخر الذي أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) سنده حسن وأخرجه الحاكم من طريق هشيم به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٢٩).
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وهو مرسل ويتقوى بما سبق وقد جمع الحافظ ابن كثير بين هذه الرواية والمراسيل السابقة.
(٧) أخرجه الطبري من طريق العوفي به، وسنده ضعيف وهو مخالف لما سبق.