للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واستقرار، ولهذا قال: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ أي: يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثم إلى الشيخوخة ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى لا زوال لها ولا انتقال منها ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.

وقوله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ يقول تعالى مخبرًا عن نبيه محمد : أنه ما علمه الشعر ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أي: ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته، ولهذا ورد أنه كان لا يحفظ بيتًا على وزن منتظم بل إن أنشده [زحَّفه] (١) أو لم يتمه.

وقال أبو زرعة الرازي: حُدِّثتُ عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي أنه قال: ما ولد عبد المطلب ذكرًا ولا أنثى إلا يقول الشعر إلا رسول الله (٢)، ذكره ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب الذي أكله الأسد بالزرقاء (٣).

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن هو البصري قال: إن رسول الله كان يتمثل بهذا البيت:

كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا

فقال أبو بكر : يا رسول الله:

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

قال أبو بكر أو عمر أشهد أنك رسول الله، يقول تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ (٤). وهكذا روى البيهقي في الدلائل أن رسول الله قال للعباس بن مرداس السلمي "أنت القائل":

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة

فقال: إنما هو عيينة والأقرع، فقال : "الكل سواء" (٥)؛ يعني: في المعنى، صلوات الله وسلامه عليه.

وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف لهذا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامه في هذا البيت مناسبة أغرب فيها، حاصلها شرف الأقرع بن حابس على عيينة بن بدر الفزاري لأنه ارتدَّ أيام الصديق بخلاف ذاك (٦)، والله أعلم، وهكذا روى الأموي في مغازيه أن رسول الله جعل يمشي بين القتلى يوم بدر وهو يقول: "نفلق هامًا" فيقول الصديق متممًا للبيت:

من رجال أعزة علينا … وهم كانوا أعقَّ وأظلما

وهذا لبعض الشعراء العرب في قصيدة له وهي في الحماسة (٧).


(١) كذا في (مح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "مزحمة"، والزِحاف من مصطلحات علم العروض في الشعر، وهو أن يسقط بين الحرفين حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر.
(٢) سنده ضعيف لإبهام شيخ أبي زرعة الرازي، وكذلك فيه مجالد فيه مقال.
(٣) مدينة بالقرب من عمَّان في الأردن.
(٤) سنده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان، وفيه أيضًا إرسال الحسن البصري.
(٥) أخرجه البيهقي عن موسى بن عقبة مرسلًا أيضًا. (دلائل النبوة ٥/ ١٨١).
(٦) الروض الأنف ٢/ ٣٠٩.
(٧) الحماسة لأبي تمام ١/ ١٠٧ - ١٠٨.