للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا، وهي صفحة العنق يتسمع الصوت من قبل السماء، ثم يساق الموجودون من الناس إلى محشر القيامة بالنار تحيط بهم من جوانبهم، ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ أي: على ما يملكونه، الأمر أهم من ذلك ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ وقد وردت ههنا آثار وأحاديث ذكرناها في موضع آخر (١)، ثم يكون بعد هذا نفخة الصعق التي تموت بها الأحياء كلهم ما عدا الحي القيوم، ثم بعد ذلك نفخة البعث.

﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)﴾.

هذه هي النفخة الثالثة، وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور، ولهذا قال تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ والنسلان هو المشي السريع كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)[المعارج]

﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾؟ يعنون: قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، فلما عاينوا ما كذبوا به في محشرهم ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد. قال أُبي بن كعب ومجاهد والحسن وقتادة: ينامون نومة قبل البعث (٢).

قال قتادة: وذلك بين النفختين (٣)، فلذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا، فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون، قاله غير واحد من السلف ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾.

وقال الحسن: إنما يجيبهم بذلك الملائكة، ولا منافاة إذ الجمع ممكن، والله أعلم.

وقال عبد الرحمن بن زيد: الجميع من قول الكفار (٤) ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)﴾ نقله ابن جرير (٥)، واختار الأول، وهو أصح، وذلك لقوله في الصافات: ﴿وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١)﴾ وقال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٥٦)[الروم].

وقوله تعالى: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٥٣)﴾ كقوله ﷿: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)[النازعات] وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ


(١) سردها الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الأنعام آية ٧٣.
(٢) أخرجه الطبري من طريق الحسن عن أُبي بن كعب، والحسن لم يسمع من أُبي، وقول الحسن عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بمعناه.
(٥) ذكره الطبري بلفظ المذكور عن عبد الرحمن بن زيد.