للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله جل وعلا: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)[الحاقة].

وقوله: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ﴾ يعني: الذين في السفن ﴿فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ أي: لا مغيث لهم مما هم فيه ﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ﴾ أي: مما أصابهم

﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا﴾ وهذا استثناء منقطع تقديره ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر، ونسلمكم إلى أجل مسمى، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ أي: إلى وقت معلوم عند الله.

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٤٧)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن تمادي المشركين في غيهم وضلالهم وعدم اكتراثهم بذنوبهم التي أسلفوها، وما يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾.

قال مجاهد: من الذنوب (١)، وقال غيره بالعكس، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي: لعل الله باتقائكم ذلك يرحمكم ويؤمنكم من عذابه، وتقدير الكلام أنهم لا يجيبون إلى ذلك بل يعرضون عنه، واكتفى عن ذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ أي: على التوحيد وصدق الرسل ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ أي: لا يتأملونها ولا يقبلونها ولا ينتفعون بها.

وقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ أي: إذا أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج من المسلمين ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: عن الذين آمنوا من الفقراء؛ أي: قالوا: لمن أمرهم من المؤمنين بالإنفاق محاجين لهم فيما أمروهم به: ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ أي: هؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه، فنحن نوافق مشيئة الله تعالى فيهم ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: في أمركم لنا بذلك.

قال ابن جرير: ويحتمل أن يكون من قول الله للكفار حين ناظروا المؤمنين وردوا عليهم، فقال لهم: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (٢) وفي هذا نظر.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)﴾.

يخبر تعالى عن استبعاد الكفرة لقيام الساعة في قولهم: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ [الشورى: ١٨]

قال الله تعالى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩)﴾ أي: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة، وهذه والله أعلم نفخة الفزع، ينفخ في الصور نفخة الفزع، والناس في أسواقهم ومعايشهم يختصمون ويتشاجرون على عادتهم، فبينما هم كذلك إذ أمر الله تعالى إسرافيل، فنفخ في الصور نفخة يطولها ويمدها، فلا يبقى أحد على وجه الأرض


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) ذكره الطبري بنحوه.