للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد: قيل لحبيب النجار: ادخل الجنة، وذلك أنه قتل فوجبت له، فلما رأى الثواب (١) ﴿قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾.

قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحًا لا تلقاه غاشًا. لما عاين ما عاين من كرامة الله تعالى: ﴿قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦)

﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)﴾ تمنى على الله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله وما هجم عليه (٢).

وقال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: ﴿يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٢٠] وبعد مماته في قوله: ﴿يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)﴾ رواه ابن أبي حاتم.

وقال سفيان الثوري: عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)﴾ بإيماني بربي وتصديقي المرسلين (٣). ومقصودهُ أنهم لو اطلعوا على ما حصل لي من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل فرحمه الله ورضي عنه، فلقد كان حريصًا على هداية قومه.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عبيد الله، حدثنا ابن جابر هو محمد، عن عبد الملك يعني ابن عمير قال: قال عروة بن مسعود الثقفي للنبي : ابعثني إلى قومي أدعوهم إلى الإسلام، فقال رسول الله : "إني أخاف أن يقتلوك" فقال: لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، فقال له رسول الله : "انطلق" فانطلق، فمرَّ على اللات والعزى، فقال: لأصبحنك غدًا بما يسؤوك، فغضبت ثقيف، فقال: يا معشر ثقيف إن اللَّات لا لات وإن العزى لا عزى، أسلموا تسلموا، يا معشر الأحلاف إن العزى لا عزى وإن اللَّات لا لات، أسلموا تسلموا، قال: ذلك ثلاث مرات، فرماه رجل فأصاب أكحله فقتله، فبلغ رسول الله فقال: "هذا مثله كمثل صاحب يس" ﴿قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)(٤).

وقال محمد بن إسحاق: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم أنه حدَّث عن كعب الأحبار، أنه ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجار الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله ، فجعل يقول له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم، ثم يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فيقول له مسيلمة لعنه الله: أتسمع هذا، ولا تسمع ذاك؟ فيقول: نعم، فجعل يقطعه عضوًا عضوًا، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه، فقال كعب حين قيل له اسمه حبيب: وكان والله صاحب يس اسمه حبيب (٥).

وقوله : ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨)﴾ يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه غضبًا منه عليهم، لأنهم كذبوا رسله


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) سنده حسن.
(٤) في سنده عبد الملك بن عمير ثقة لكنه تغير حفظه (التقريب ص ٣٦٤) وقد توبع فأخرجه الحاكم من طريق أبي الأسود عن عروة به وسكت عنه هو والذهبي (المستدرك ٣/ ٦١٥ - ٦١٦).
(٥) سنده مرسل ويتقوى بما سبق.