للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون (١)، والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال تعالى: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ أي: يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى، فإنه ما أسرَّ أحدٌ سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنين المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل ينكشف لهم عن قريب وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية.

وقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أي: ابتدأ خلق أبيكم من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أي: ذكرًا وأنثى، لطفًا منه ورحمة أن جعل لكم أزواجًا من جنسكم لتسكنوا إليها. وقوله: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ أي: هو عالم بذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء بل ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩)[الرعد].

وقوله: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ أي: ما يعطي بعض النطف من العمر الطويل يعلمه وهو عنده في الكتاب الأول ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ الضمير عائد على الجنس لا على العين، لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لا ينقص من عمره، وإنما عاد الضمير على الجنس.

قال ابن جرير: وهذا كقولهم عندي: ثوب ونصفه؛ أي: هو ونصف ثوب آخر (٢).

وروي من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ يقول: ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك له، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذين كتبت له، فذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ يقول: كل ذلك في كتاب عنده (٣)، وهكذا قال الضحاك بن مزاحم (٤).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ قال: ما لفظت الأرحام من الأولاد من غير تمام. وقال عبد الرحمن في تفسيرها: ألا ترى الناس يعيش الإنسان مائة سنة وآخر يموت حين يولد؟ فهذا هذا (٥).


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٢) ذكره الطبري بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بما يليه.
(٤) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك بنحوه.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن.