للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل (١)، فليلحق بيثرب ذات النخل، فكانت الأوس والخزرج، وهما هذان الحيان من الأنصار ومن كان منكم يريد خمرًا وخميرًا وذهبًا وحريرًا، وملكًا وتأميرًا، فليلحق بكوثى (٢) وبُصرى (٣)، فكانت غسان بنو جفنة ملوك الشام ومن كان منهم بالعراق.

قال ابن إسحاق: وقد سمعت بعض أهل العلم يقول إنما قالت هذه المقالة طريفة امرأة عمرو بن عامر (٤). وكانت كاهنة فرأت في كهانتها ذلك، فالله أعلم أي ذلك كان.

وقال سعيد، عن قتادة، عن الشعبي: أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعُمان (٥). فمزقهم الله كل ممزق. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

ثم قال محمد بن إسحاق: حدثني أبو عبيدة قال: قال الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة - واسمه: ميمون بن قيس:

وفي ذاك للمؤتسي أسوة … ومأرب عفى (٦) عليها العرم

رُخام بنته لهم حُمير … إذا جاء مواره (٧) لم يرم

فأروى الزروع وأعنا بها … على سعة ماؤهم إذ قسم

فصاروا أيادي ما يقدرون … منه على شرب طفل فُطِم (٨)

قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ أي: إن في هذا الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب وتبديل النعمة وتحويل العافية عقوبة على ما ارتكبوه من الكفر والآثام، لعبرة ودلالة لكل عبد صبار على المصائب شكور على النعم.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن وعبد الرزاق المعني قالا: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن عمر بن سعد، عن أبيه هو: سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله : "عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، يؤجر المؤمن في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته" (٩). وقد رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث أبي إسحاق السبيعي به (١٠)، وهو حديث عزيز من رواية عمر بن سعد، عن أبيه، ولكن له شاهد في الصحيحين من حديث أبي


(١) أي: الجوع الشديد.
(٢) مدينة تقع في جنوب العراق.
(٣) مدينة في سوريا.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي: ضعيف.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة به، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
(٦) أي: أذهب معالمها.
(٧) أي: الشديد المور.
(٨) ذكره ابن هشام (السيرة النبوية ١/ ١٤).
(٩) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٨٢ ح ١٤٨٧) وحسنه محققوه، وله شاهد في الصحيح كما سيأتي.
(١٠) السنن الكبرى (ح ١٠٩٠٦) وحكمه كسابقه.