للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم أحفظها، فليلحق ببصرى، ومن أراد الراسخات في الوحل: المطعمات في المحل، المقيمات في الضحل، فليلحق بيثرب ذات نخل، فأطاعه قومه، فخرج أهل عمان إلى عمان. وخرجت غسان إلى بصرى، وخرجت الأوس والخزرج وبنو عثمان إلى يثرب ذات النخل، قال: فأتوا على بطن مر، فقال بنو عثمان هذا مكان صالح لا نبغي به بدلًا، فأقاموا به فسموا لذلك خزاعة، لأنهم انخزعوا من أصحابهم، واستقامت الأوس والخزرج حتى نزلوا المدينة، وتوجه أهل عمان إلى عمان وتوجهت غسان إلى بصرى (١). هذا أثر غريب عجيب، وهذا الكاهن هو عمرو بن عامر أحد رؤوساء اليمن وكبراء سبأ وكهانهم.

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في أول السيرة ما كان من أمر عمرو بن عامر الذي كان أول من خرج من بلاد اليمن بسبب استشعاره بإرسال العرم عليهم، فقال: وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن فيما حدثني به أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذًا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عنهم الماء فيصرفونه حيث شاؤوا من أرضهم، فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النقلة عن اليمن، فكادَ قومه، فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمره به، فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيها أصغر ولدي وعرض أمواله. فقال أشراف من أشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو، فاشتروا منه أمواله وانتقل هو في ولده وولد ولده، وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك وكانت حربهم سجالًا، ففي ذلك يقول عباس بن مرداس السلمي :

وعك بن عدنان الذين تغلَّبُوا … بغسان حتى طُرّدوا كل مطرد

وهذا البيت من قصيدة له. قال: ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان، فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرًا، ونزلت أزدُ السراةِ السراةَ، ونزلت أزدُ عُمانٍ عُمانَ، ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه، وفي ذلك أنزل الله ﷿ هذه الآيات (٢). وقد ذكر السدي قصة عمرو بن عامر بنحو مما ذكر محمد بن إسحاق، إلا أنه قال: فأمر ابن أخيه مكان ابنه، إلى قوله: فباع ماله وارتحل بأهله فتفرقوا، رواه ابن أبي حاتم.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، أخبرنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: يزعمون أن عمرو بن عامر وهو عمّ القوم، كان كاهنًا فرأى في كهانته أن قومه سيمزقون ويباعد بين أسفارهم، فقال لهم: إني قد علمت أنكم ستمزقون، فمن كان منكم ذا هم بعيد وحمل شديد، ومزاد حديد، فليلحق بكاس أو كرود. قال: فكانت وادعةُ بن عمرو. ومن كان منكم ذا همِّ مُدنٍ، وأمرٍ ذعر، فليلحق بأرض شنٍّ، فكانت عوف بن عمرو، وهم الذين يقال لهم: بارق، ومن كان منكم يريد عيشًا آينًا (٣)، وحرمًا آمنًا فليلحق بالأرزين، فكانت خزاعة، ومن كان منكم يريد


(١) رجاله ثقات إلى عكرمة لكن الحافظ ابن كثير استغربه، ولعله أخذه عكرمة من أخبار أهل الكتاب.
(٢) سنده ضعيف، وذكره ابن هشام (السيرة النبوية ١/ ١٠ - ١٢).
(٣) العيش الآين: الرافه الوادع.