للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: قال رسول الله : "يقول الله ﷿: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره" (١).

ومعنى هذا أن الجاهلية كانوا يقولون: يا خيبة الدهر فعل بنا كذا وكذا، فيسندون أفعال الله وتعالى إلى الدهر ويسبونه، وإنما الفاعل لذلك هو الله ﷿ فنهى عن ذلك. هكذا قرره الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من العلماء .

وقال العوفي: عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ نزلت في الذين طعنوا على النبي في تزويجه صفية بنت حُييّ بن أخطب (٢).

والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء ومن آذاه فقد آذى الله كما أن من أطاعه فقد أطاع الله كما قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن عبيدة [بن أبي رائطة] (٣) الحذاء التيمي عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن المغفل المزني قال: قال رسول الله : "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" (٤). وقد رواه الترمذي من حديث عبيدة بن أبي رائطة، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن المغفل به، ثم قال: وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (٥).

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ أي: ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه ﴿فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ وهذا هو البهت الكبير أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فإن الله ﷿ قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدًا فهم في الحقيقة، منكسو القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين.

وقال أبو داود: حدثنا القعنبي، حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" (٦). وهكذا رواه الترمذي، عن قتيبة، عن الدراوردي به ثم قال حسن صحيح (٧).


(١) صحيح البخاري، التفسير، سورة الجاثية (ح ٤٨٢٦)، وصحيح مسلم، الألفاظ من الأدب، باب النهي عن سب الدهر (ح ٢٢٤٦).
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٣) كذا في المسند وفي الأصل و (ح) و (حم) صُحف إلى: "رابطة".
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٧/ ٣٥٨ ح ١٦٨٠٣) وضعف سنده محقفوه.
(٥) السنن، المناقب، باب فيمن سبَّ أصحاب رسول الله (ح ٣٨٦٢) وسنده ضعيف كسابقه.
(٦) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الأدب، باب في الغيبة ح ٤٨٧٤)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٠٧٩).
(٧) السنن، البر والصلة، باب ما جاء في الغيبة (ح ١٩٣٤).