للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: تعالى وتقدس وتنزه وتعاظم وجلَّ وعزَّ عن أن يكون له شريك أو نظير أو مساوٍ أو ولد أو والد، بل هو الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢)﴾.

قال ابن عباس وعكرمة والضحاك والسدي وغيرهم: المراد بالبر ههنا الفيافي، وبالبحر الأمصار والقرى.

وفي رواية عن ابن عباس وعكرمة: البحر الأمصار، والقرى ما كان منهما على جانب نهر (١). وقال آخرون: بل المراد بالبر هو البر المعروف، وبالبحر هو البحر المعروف.

وقال زيد بن رفيع: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ﴾ يعني: انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط، وعن البحر تعمى دوابه، رواه ابن أبي حاتم (٢).

وقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، عن سفيان، عن حميد بن قيس الأعرج، عن مجاهد ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ قال: فساد البر قتل ابن آدم، وفساد البحر أخذ السفينة غصبًا (٣).

وقال عطاء الخراساني: المراد بالبر ما فيه من المدائن والقرى، وبالبحر جزائره (٤). والقول الأول أظهر وعليه الأكثرون، ويؤيده ما قاله محمد بن إسحاق في السيرة: إن رسول الله صالح ملك أيلة، وكتب إليه ببحره (٥)؛ يعني: ببلده، ومعنى قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ أي: بان النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي.

وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: "لحدٍّ يُقام في الأرض أحبُّ إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا" (٦). والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكف الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي كان سببًا في حصول البركات من السماء والأرض. ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية، وهو تركها، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض:


(١) قول ابن عباس عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر، وأخرجه البستي بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم.
(٣) سنده حسن.
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم.
(٥) سنده ضعيف لأنه لم يسنده، والخبر مشهور.
(٦) أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة (المسند ١٤/ ٣٥١ ح ٨٧٣٨)، وضعف سنده محققوه، وللمزيد ينظر تخريجه في تفسير سورة النور آية ٢.