للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شيء له ينفق عليه أو له شيء لا يقوم بكفايته، ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ وهو المسافر المحتاج إلى نفقة وما يحتاج إليه في سفره، ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ أي: النظر إليه يوم القيامة وهو الغاية القصوى، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي: في الدنيا والآخرة.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: من أعطى عطية يريد أن يرد عليه الناس أكثر مما أهدى لهم، فهذا لا ثواب له عند الله، بهذا فسره ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب والشعبي (١)، وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه، إلا أنه قد نهى عنه رسول الله خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)[المدثر: ٦] أي: لا تعط العطاء تريد أكثر منه (٢).

وقال ابن عباس: الربا رباءان: فربا لا يصح؛ يعني: ربا البيع؟ وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد فضلها، وأضعافها، ثم تلا هذه الآية ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ (٣). وإنما الثواب عند الله في الزكاة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ أي: الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء. كما جاء في الصحيح: "وما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه فيربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوّه أو فصيله حتى تصير التمرة أعظم من أحد" (٤).

وقوله ﷿: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ أي: هو الخالق الرزاق، يخرج الإنسان من بطن أمه عريانًا لا علم له ولا سمع ولا بصر ولا قوة، ثم يرزقه جميع ذلك بعد ذلك والرياش واللِّباس والمال والأملاك والمكاسب. كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سلَّام أبي شُرحبيل، عن حبَّة وسَواء ابني خالد قالا: دخلنا على النبي وهو يصلح شيئًا فأعنَّاه، فقال: "لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة، ثم يرزقه الله ﷿" (٥).

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ أي: بعد هذه الحياة، ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ أي: يوم القيامة. وقوله تعالى: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ أي: الذين تعبدونهم من دون الله ﴿مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾؟ أي: لا يقدر أحد منهم على فعل شيء من ذلك، بل الله هو المستقل بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، ثم يبعث الخلائق يوم القيامة، ولهذا قال بعد هذا كلِّه: ﴿سُبْحَانَهُ


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، ويشهد له ما يليه.
وقول مجاهد أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الضحاك أخرجه عبد الرزاق والبستي بسند حسن من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٢) عزاه السيوطي إلى الفريابي وابن أبي شيبة والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك، وأخرجه الطبري عن الضحاك مختصرًا، وسنده ضعيف معضل لأن الضحاك وهو ابن مزاحم: تابع تابعي.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم دون ذكر تلاوة الآية.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٢٧٦.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٥/ ١٨٦ ح ١٥٨٥٥) وضعف سنده محققوه.