للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رغبوا فيها على ما في الدنيا، وعملوا لها في الدنيا

﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (٩١)﴾؛ أي: أظهرت وكشف عنها، وبدت منها عنق فزفرت زفرة بلغت منها القلوب الحناجر،

وقيل: لأهلها تقريعًا وتوبيخًا ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣)﴾؛ أي: ليست الآلهة التي عبدتموها من دون الله من تلك الأصنام والأنداد تُغني عنكم اليوم شيئًا، ولا تدفع عن أنفسها، فإنكم وإياها اليوم حصب جهنم أنتم لها واردون.

وقوله: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤)﴾ قال مجاهد: يعني فَدُهْوِرُوا فيها (١). وقال غيره: كُبّوا فيها، والكاف مكررة، كما يقال: صرصر، والمراد أنه ألقي بعضهم على بعض من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشك ﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)﴾؛ أي: أُلقوا فيها عن آخرهم

﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)﴾؛ أي: يقول الضعفاء للذين استكبروا ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ﴾ [غافر: ٤٧]؟ ويقولون: وقد عادوا على أنفسهم بالملامة ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)﴾؛ أي: نجعل أمركم مطاعًا كما يطاع أمر ربِّ العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (٩٩)﴾؛ أي: ما دعانا إلى ذلك إلا المجرمون

﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠)﴾ قال بعضهم: يعني: من الملائكة كما يقولون: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، وكذا قالوا: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١)﴾؛ أي: قريب.

قال قتادة: يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحًا نفع، وأن الحميم إذا كان صالحًا شفع (٢).

﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢)﴾ وذلك أنهم يتمنون أن يردُّوا إلى دار الدنيا ليعملوا بطاعة ربهم فيما يزعمون، والله تعالى يعلم أنهم لو ردّهم إلى دار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، وقد أخبر الله تعالى عن تخاصم أهل النار في سورة (ص) ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)[ص] ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣)﴾؛ أي: إن في محاجة إبراهيم لقومه وإقامته الحجج عليهم في التوحيد لآية؟ أي: لدلالة واضحة جلية على أن لا إله إلا الله ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤)﴾.

﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠)﴾.

هذا إخبار من الله ﷿ عن عبده ورسوله نوح ، وهو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد ما عبدت الأصنام والأنداد، فبعثه الله ناهيًا عن ذلك ومحذرًا من وبيل عقابه، فكذبه قومه، فاستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم مع الله تعالى: ونزل الله تعالى


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد وهو لم يسمع من مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري من طريق يحيى بن سعيد المسمعي عن قتادة، ويحيى لم أقف على ترجمة له.