للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضًا: حدثنا أبو زرعة، حدثنا زيد بن بشر، أخبرني همام أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان: كنا برودس (١)، ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله ، فمر بجنازتين إحداهما قتيل، والأخرى متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة: ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا: هذا القتيل في سبيل الله، فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت؟ اسمعوا كتاب الله ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا﴾ حتى بلغ آخر الآية (٢).

وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا عبيدة بن سليمان، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا ابن لهيعة، [حدثنا] (٣) سلامان بن عامر الشيباني أن عبد الرحمن بن جحدم الخولاني، حدثه أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين أحدهما أصيب بمنجنيق، والآخر توفي، فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى فقيل له: تركت الشهيد فلم تجلس عنده؟ فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت إن الله يقول: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا … ﴾ الآيتين، فما تبتغي أيها العبد إذا أدخلت مدخلًا ترضاه، ورزقت رزقًا حسنًا؟ والله أما أبالي من أي حفرتيهما بعثت.

ورواه ابن جرير، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن شريح، عن سلامان بن عامر قال: كان فضالة برودس أميرًا على الأرباع، فخرج بجنازتي رجلين، أحدهما قتيل والآخر متوفى … فذكر نحو ما تقدم (٤).

وقوله: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ … ﴾ الآية، ذكر مقاتل بن حيان وابن جريج أنها نزلت في سرية من الصحابة لقوا جمعًا من المشركين في شهر محرم، فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبى المشركون إلا قتالهم، وبغوا عليهم، فقاتلهم المسلمون فنصرهم الله عليهم ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ (٥).

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)﴾.

يقول تعالى منبهًا على أنه الخالق المتصرف في خلقه بما يشاء، كما قال: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ


(١) رودس: جزيرة في البحر الأبيض المتوسط شمال الإسكندرية، غزاها المسلمون زمن معاوية (معجم البلدان ٢/ ١٣٢).
(٢) أخرجه الطبري من طريق سلامان بن عامر عن فضالة بنحوه، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم، كما سيأتي بالرواية التالية، وهذان الطريقان يقوي أحدهما الآخر.
(٣) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "سقط".
(٤) تقدم تخريجه في سابقه.
(٥) قول مقاتل بن حيان عزاه السيوطي في الدر المنثور ولباب النقول إلى ابن أبي حاتم، وسنده معضل؛ لأن مقاتل بن حيان تابع تابعي، وقول ابن جريج أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف، وابن جريج أيضًا تابع تابعي.