للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العلماء إلى أن الحج ماشيًا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبًا؛ لأنه قدمهم في الذكر، فدلَّ على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم، [وقال وكيع: عن أبي العُميس، عن أبي حلحلة، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: ما أسى علي شيء إلا أخي وددت أني كنت حججت ماشيًا؛ لأن الله يقول: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾] (١) (٢).

والذي عليه الأكثرون: أن الحج راكبًا أفضل، اقتداء برسول الله فإنه حج راكبًا مع كمال قوته .

وقوله: ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ﴾ يعني: طريق، كما قال: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا (٣١)[الأنبياء: ٣١].

وقوله: ﴿عَمِيقٍ﴾: بعيد، قاله مجاهد وعطاء والسدي وقتادة ومقاتل بن حيان والثوري وغير واحد (٣)، وهذه الآية كقوله تعالى إخبارًا عن إبراهيم، حيث قال في دعائه: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: ٣٧]، فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحنّ إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار.

﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)﴾.

قال ابن عباس: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ قال: منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن، والذبائح والتجارات (٤)، وكذا قال مجاهد وغير واحد: إنها منافع الدنيا والآخرة (٥)، كقوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]. وقوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾.

قال شعبة وهشيم، عن أبي بشر، عن سعيد، عن ابن عباس : الأيام المعلومات: أيام العشر (٦)، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به (٧). وروي مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وقتادة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والضحاك وعطاء الخراساني وإبراهيم النخعي (٨)، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل.


(١) زياد من (ح) و (حم).
(٢) أخرجه الخطيب البغدادي من طريق الحسن بن قتيبة عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب، ثم قال: الحسن بن قتيبة: متروك الحديث (تاريخ بغداد ٧/ ٤٠٤، ٤٠٥)، وموسى بن عبيدة: ضعيف. وأما السند الذي أورده الحافظ ابن كثير، فإن أبا حلحلة لم أجد له ترجمة.
(٣) قول مجاهد عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٤) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه البستي والطبري بسند صحيح من طريق سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٦) أخرجه ابن مردويه بسند صحيح من طريق أبي بشر عن سعيد به (ينظر: فتح الباري ٢/ ٤٥٨).
(٧) صحيح البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق قبل حديث (رقم ٩٦٩).
(٨) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف =