للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه، فقالوا: يا إبراهيم ألا تخرج معنا؟ قال: إني سقيم، وقد كان بالأمس، قال: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)﴾ فسمعه ناس منهم (١).

وقوله: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾ أي: حطامًا كسرها كلَّها، إلا كبيرًا لهم؛ يعني: إلا الصنم الكبير عندهم، كما قال: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣)[الصافات].

وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه، وأنفَ أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسَّرها ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩)﴾ أي: حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل بأصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها وعلى سخافة عقول عابديها

﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩)﴾ أي: في صنيعه هذا

﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (٦٠)﴾ أي: قال من سمعه يحلف إنه ليكيدنهم: ﴿سَمِعْنَا فَتًى﴾؛ أي شابًا، ﴿يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن قابوس، [عن أبيه] (٢)، عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبيًا إلا شابًا ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (٦٠)(٣).

وقوله: ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ أي: على رؤوس الأشهاد في الملأ الأكبر بحضرة الناس كلِّهم، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم أن يبيَّن في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام، التي لا تدفع عن نفسها ضرًا، ولا تملك لها نصرًا، فكيف يطلب منها شيء من ذلك؟

﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (٦٢) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ يعني: الذي تركه لم يكسره ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون، وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم لأنه جماد.

وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: "إن إبراهيم لم يكذب غير ثلاث: ثنتين في ذات الله، قوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾، وقوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩] قال: وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة، إذ نزل منزلًا فأتى الجبار رجل فقال: إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاء، فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: أختي. قال: فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال: إن هذا الجبار قد سألني عنك، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني عنده، فإنك أختي في كتاب الله، وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي، فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأُخذ أخذًا شديدًا، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له، فأرسل فأهوى إليها، فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد، ففعل


(١) سند صحيح، وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل سقط.
(٣) سنده ضعيف؛ لأن قابوس فيه لين (التقريب ص ٤٤٩).