للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيها من تضييع الزمان، ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروَج عليهم، فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها، كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأُمة. والمقصود ههنا أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل؛ أي: من قبل ذلك.

وقوله: ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ أي: وكان أهلًا لذلك،

ثم قال: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢)﴾ هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله ﷿، فقال: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ أي: معتكفون على عبادتها.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد الصباح، حدثنا أبو معاوية الضرير، حدثنا سعيد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: مَرَّ [عليٌّ ] (١) على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يَمسَّ أحدكم جمرًا حتى يطفأ، خير له من أن يمسَّها (٢).

﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (٥٣)﴾ لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال، ولهذا قال: ﴿لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: الكلام مع آبائكم الذي احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم، فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم، فلما سفه أحلامهم وضلل آباءهم واحتقر آلهتهم

﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥)﴾ يقولون: هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعبًا أم محقًا فيه، فإنا لم نسمع به قبلك

﴿قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾ أي: ربكم الذي لا إله غيره، وهو الذي خلق السماوات والأرض وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن، وهو الخالق لجميع الأشياء ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ أي: وأنا أشهد أنه لا إله غيره ولا رب سواه.

﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (٦٠) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (٦٢) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣)﴾.

ثم أقسم الخليل قسمًا أسمعه بعض قومه ليكيدنَّ أصنامهم؛ أي ليحرصنَّ على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين؛ أي إلى عيدهم، وكان لهم عيد يخرجون إليه.

قال السدي: لما اقترب وقت ذلك العيد قال أبوه: يا بني لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا، فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض، وقال: إني سقيم فجعلوا يمّرون عليه وهو صريع فيقولون: مه، فيقول: إني سقيم، فلما جاز عامتهم وبقي ضعفاؤهم قال: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ فسمعه أولئك (٣).


(١) زيادة من (ح) و (حم).
(٢) سنده ضعيف جدًا؛ لأن الأصبغ بن نباتة متروك، رمي بالرفض (التقريب ص ١١٣).
(٣) الخبر من الإسرائيليات، ويشهد له قول ابن مسعود التالي.