للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: ١١] أي: في الأمور.

قال مجاهد: خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار من يوم خلق الخلائق، فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم يبلغ أسفله، قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي - وقبض أصابعه يقللها - فسأل الله خيًرا إلا أعطاه إياه"، قال أبو سلمة: فقال عبد الله بن سلام: قد عرفت تلك الساعة، هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة، وهي التي خلق الله فيها آدم (٢).

قال الله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)﴾ والحكمة في ذكر عجلة الإنسان ههنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلوات الله وسلامه عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك، فقال الله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر، ولهذا قال: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي﴾ أي: نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)﴾.

يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضًا بوقوع العذاب بهم تكذيبًا وجحودًا وكفرًا وعنادًا واستبعادًا، فقال: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)

قال الله تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ أي: لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا به. ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦] ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١]، وقال في هذه الآية: ﴿حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾، وقال: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠)[إبراهيم] فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ أي: لا ناصر لهم، كما قال: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ [الرعد: ٣٤].

وقوله: ﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً﴾ أي: تأتيهم النار بغتة أي: فجأة، ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ أي: تذعرهم،


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند رجاله ثقات لكنه مرسل، والخبر عليه أمارات الإسرائيليات.
(٢) أخرجه مسلم مقتصرًا على شطره الأول (الصحيح، الجمعة، باب فضل يوم الجمعة ح ٨٥٤)، وأخرجه الحاكم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٢٧٨).