للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن (١)، كما قال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦)[الأنعام].

﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٣٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ أي: يا محمد ﴿الْخُلْدِ﴾ أي: في الدنيا؛ بل ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)[الرحمن] وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر مات وليس بحي إلي الآن؛ لأنه بشر سواء كان وليًا أو نبيًا أو رسولًا. وقد قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾.

وقوله: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ﴾ أي: يا محمد ﴿فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ أي: يؤملون أن يعيشوا بعدك لا يكون هذا بل كل إلى الفناء، ولهذا قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾، وقد روي عن الشافعي أن أنشد واستشهد بهذين البيتين:

تمنى رجال أن أموت وإن أمت … فتلك سبيل لست فيها بأوحد

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى … تهَيأ لأخرى مثلها فكأن قد (٢)

وقوله: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ أي: نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿وَنَبْلُوكُمْ﴾ يقول: نبتليكم ﴿بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة (٣). وقوله: ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ أي: فنجازيكم بأعمالكم.

﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)﴾.

يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني: كفار قريش كأبي جهل وأشباهه ﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ أي: يستهزئون بك وينتقصونك، يقولون: ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ يعنون: أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم، قال تعالى: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ أي: وهم كافرون بالله، ومع هذا يستهزئون برسول الله، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٢)[الفرقان].


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "فلك كهيئة حديدة الرحى".
(٢) ذكر البيتين ابن أبي حاتم الرازي (مناقب الشافعي ص ١١٩).
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.