للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

غنًى وأسدُّ فقرك؛ وإن لم تفعل، ملأت صدرك شغلًا ولم أسدّ فقرك" (١).

وروى ابن ماجه من حديث الضحاك، عن الأسود، عن ابن مسعود: سمعت نبيكم يقول: "من جعل الهموم همًّا واحدًا همّ المعاد كفاه الله همّ دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أيِّ أوديته هلك" (٢). وروي أيضًا من حديث شعبة، عن عمر بن سليمان، عن عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، سمعت رسول الله يقول: "من كانت الدنيا همّه فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع له أمره وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" (٣).

وقوله: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ أي: وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وهي الجنة لمن اتقى الله.

وفي الصحيح: أن رسول الله قال: "رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع، وأنّا أتينا برطب ابن طاب، فأوّلت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة، وأن ديننا قد طاب" (٤).

﴿وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (١٣٥)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار في قولهم: ﴿لَوْلَا﴾ أي: هلا يأتينا محمد بآية من ربه؛ أي: بعلامة دالة على صدقه في أنه رسول الله؟ قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ يعني: القرآن الذي أنزله عليه الله، وهو أمّي لا يحسن الكتابة ولم يدارس أهل الكتاب، وقد جاء فيه أخبار الأولين بما كان منهم في سالف الدهور بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها، فإن القرآن مهيمن عليها يصدق الصحيح ويبين خطأ المكذوب فيها وعليها، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة العنكبوت: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)[العنكبوت].

وفي [الصحيحين] (٥) عن رسول الله : أنه قال: "ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" (٦).


(١) سنن الترمذي، صفة القيامة (ح ٢٤٦٦)، وسنن ابن ماجه، الزهد، باب الهمّ بالدنيا (ح ٤١٠٧)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٣١٥).
(٢) المصدر السابق (ح ٤١٠٦)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٣١٤).
(٣) المصدر السابق (ح ٤١٠٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٣١٣).
(٤) أخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك بلفظ: "برطب من رطب ابن طاب" (الصحيح، الرؤيا، باب رؤيا النبي ح ٢٢٧٠)، ورطب ابن طاب: نوع من التمور.
(٥) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "وفي الصحيح".
(٦) صحيح البخاري، فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي؟ (ح ٤٩٨١)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد (ح ١٥٢).